دور المثقف وسط خراب العراق أن يحافظ على الذاكرة الجمعية

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

منى الشمري

كان للروائي العراقي سنان أنطون في الكويت حوار مفتوح مع الجمهور، على هامش دورة كتابة الرواية التي يقيمها «مشروع تكوين» للكتابة الإبداعية. الحوار الذي أداره فيصل الرحيل وامتد على مدى ساعتين تقريبا، طرح فيه الحاضرون من الكتاب والقراء عدة موضوعات تتعلق بكتابة الرواية بشكل عام، ورواية سنان أنطون بشكل خاص، والأوضاع الثقافية في العراق والترجمة للعربية في الغرب وتعاطي دور النشر الغربية مع الأدب العربي ورغبة الغرب والقارئ هناك في التعرف على أدبنا وبلادنا، ومواضيع أخرى. وأكد في بداية الحوار على أن «دور المثقف والفنّان هو أن يحافظ على الذاكرة الجمعية». مؤكدًا على أن هذا هو ما يحفزه للكتابة عن العراق وسط كل هذا الخراب.

وحول علاقة الكاتب بالقارئ يقول أنطون:

«أعوّلُ دائمًا على ذكاء القارئ، ولا أنظر إليه كشخصٍ كسول، وأعتقدُ دائمًا بأنه سيقوم بدوره ليفهم الكلمات الصعبة بالنص، لاسيما مع توفر التقنية الحديثة»، ومن هذا المنطلق ينحاز أنطون تمامًا إلى كتابة الحوارات باللهجة المحكية، حتى إن صعُبت على البعض، قائلًا: «ليس من المعقول أن تُفقد الخصوصية العاطفية والطبقية للشخصية بكتابة الحوار بالفصحى»، وأضاف أن «هناك رهابا من انقراض اللغة العربية لو استخدمنا اللهجة المحكية في الحوار، وهذه فكرة استشراقية تقيس اللغة العربية على اللغة اللاتينية، وكأنّ الأمر حتمي وهذا غير صحيح، من الممكن أن تتجاور الفصحى مع المحكية من دون أن تلغي إحداهما الأخرى».

وعن علاقته بالكتابة يقول: «الكتابة بالنسبة لي حاجة نفسية، أتخيّلها مثل الغدة، تحتاج أن تفرز، ولكي تفرز يجب يكون هناك إعداد وقراءة والكثير من العمل».

كما تحدث سنان أنطون عن الخوف من الكتابة وتردده في بداياته في هذه الخطوة، بقوله: بأنه كان لديه منذ صغره رغبة في الكتابة، ولكنه كان يدرك أن الكتابة مسؤولية، وأنه أمام تحد في كتابة ما هو جديد، أمام كل ما قدمه الأدب من كتب وروايات عبر عشرات السنين. إضافة إلى ضرورة الموازنة بين الشحنة الجمالية والواقعية والسياسة أثناء الكتابة عن الدكتاتورية وموقفه منها. واعتبر أن الخوف حق طبيعي للكتاب في عملهم الأول. وأضاف أنه وغيره من الكتاب العراقيين الذين نشأوا في العراق لم يشاركوا في المهرجان التبجيلي وفروض الطاعة لخطاب الحرب آنذاك، وبقوا خارج الوسط الثقافي وشعروا بمرارة أنهم تأخروا في الكتابة. ثم أجاب عن تساؤل للروائي إسماعيل فهد إسماعيل حول روايته الجديدة «فهرس»، وقال إنها عن شخص يوثق «الخراب» الذي تخلفه الحرب، الذي لا يكتب عنه المنتصرون وعن الأرواح التي تُنسى وتُمحى، أو الخراب المستحيل قياسه وعن غياب وطن المهجر وتجربته في كتابات الروائيين العراقيين وهامشيته، بينما يظل العراق هو الهاجس الأساسي في المضامين، قال أنطون : إن الثقافة في العراق «تبعثثت» (من البعثية) لحوالي ثلاثين سنة في نصوص لا تعبر عن حقيقة الوضع في العراق والمجتمع العراقي، والذاكرة وفي فترة الديكتاتورية لم تكن هناك حرية في الكتابة، لذلك من الطبيعي أن تكون هناك رغبة لدى الكتاب في العودة إلى المرحلة. وأضاف أن هناك مشكلة في العراق، الذي مر بعدة حروب وتفكك الدولة، هي عدم وجود ذاكرة جمعية مؤسساتية. وبرأيه أن الكاتب مسؤول في هذه الظروف الاستثنائية عن توثيق الذاكرة. وقال إن كتابة الروائيين المهاجرين عن هذه المرحلة جاءت بشكل عفوي، ولكنه على مستوى شخصي عاش في العراق ثلاثا وعشرين سنة، فيها شخصيات مثل الأشباح لا تزال تراوده حتى الآن. وقال ضمن إجابته عن هذا السؤال أيضا إن روايته الجديدة فيها شخصية من نيويورك، ولكن الكتابة عن هذه المدينة التي عاش فيها عشر سنوات ليست سهلة. وتحدث عن مشاكل المثقفين العراقيين في الاندماج في مجتمعات المهجر لأسباب اقتصادية وغيرها، ورأى أن من هاجروا للدول الإسكندنافية أكثر اندماجا ممن هاجروا إلى أمريكا بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الأكثر استقرارا، وأجاب عن سؤال حول اللهجة العراقية في رواياته التي قد لا يفهمها القراء العرب: إن أكثر من انتقد استخدامه للعامية هم المثقفون العراقيون، لكنه لاحظت من خلال التعليقات على موقع Goodreads إشادة القراء العاديين باستخدامه للهجة المحلية.

وتحدث عن مواقع التواصل الاجتماعي التي ضخمت الغث والسمين، وأصبحت تعطى فيها ألقاب مثل شاعر وروائي كأنها رتب عسكرية! وأبدى استغرابه في سياق حديثه عن أدب الشباب ممن يريدون الكتابة من دون أن يعرفوا كيفية قراءة نص، أو من دون التعرف على سلالة الكتاب الكبار والقراءة لهم وتطرق سنان أنطون لنقاط مهمة حول الترجمة بشكل عام وترجمة رواياته للإنكليزية، بحكم إقامته في الولايات المتحدة واطلاعه عن قرب عن الوضع هناك، فقال إن الوضع في أمريكا مختلف على صعيد الترجمة عن الوضع في أوروبا، ففي أمريكا لديهم موقف سلبي من الترجمة حتى أن الأفلام المترجمة أصبح وضعها أقل. 

وأضاف: إنه كان يتوقع بعد حربين دمرت فيهما أمريكا العراق أن تكون هناك رغبة لدى الأمريكان في معرفة العراق، ولكن هذا لم يحدث، بل إن ظاهرة جديدة في الكتابة هناك قد برزت، هي ظاهرة كتابات الجنود الأمريكيين العائدين من العراق، الذين يصورون كضحايا مع أن الجيش الأمريكي هو جيش متطوعين، ومن الجهة الأخرى تُمحى حكايات المدنيين العراقيين.

لافتا إلى أن نسبة الترجمة في أمريكا هي ثلاثة في المئة بينما في دولة كألمانيا هي خمسون في المئة تقريبا. وأضاف نقطة لافتة عن النظرة لأدب الشرق الأوسط المترجم للإنكليزية في أمريكا، وهو أنه يصنف علما إنسانيا لا أدبا!. وقال إنه شخصيا يفرح بترجمة كتبه للإنكليزية ولكنه يحاول السيطرة على نفسه لأن الترجمة تتم للسبب الخطأ كما قال.

من جانب آخر نظم الروائي والشاعر العراقي سنان أنطون في زيارته الأولى لدولة الكويت، وبرعايةٍ من وزارة الدولة لشؤون الشباب لصالح مشروع تكوين للكتابة الإبداعية ورشةً عن التجريب في النص الروائي، استمرت ليومين بدأ الروائي سنان أنطون الورشة بتتبع إشكالية مصطلح التجريب الروائي وتعريفه وحدوده، والإجابة عن السؤال الجوهري، ما الذي يجعل الأدب تجريبيًّاً؟ فأوضح في البداية ماهيّة الكتابة التجريبية بأنها كتابة نص يعكس علاقةً مختلفةً مع الشكل، وحدد الفرق بينها وبين الكتابة الواقعية التي يظهر فيها دور الكاتب بوضوح، بينما في النص التجريبي يظهر دور الكتابة بمظاهرها المتعددة، مثل تعدد الأصوات، تدخّل السارد بالسرد ووجوده كشخصية، تعددية الخطابات، وتجاوز الزمان والمكان، وكل ذلك يصب في إتاحة دور للقارئ في إنتاج المعنى. وأكّد على أن «الحديث عن الكتابة التجريبية لا يعني بالضرورة أنّها أفضل من الكتابة الواقعية، فقد تكون هناك رواية واقعية ممتازة ورواية تجريبية سيئة». وفيما يتعلق بخصائص اللغة في الكتابة التجريبية يقول أنطون بأنَّ «الكتابة التجريبية ترى أنّ اللغة ليست شفافة، وأنها غاية وليست وسيلة، وأنها تساهم في خلق وتشكيل العالم». وأشار إلى أن «الأدب التجريبي متأثّر بأفكار ما بعد الحداثة التي تتحدى مفهوم ثبوت المعنى، ومعنية بثيمة اختفاء الجوهر وسقوط الأفكار الكبرى».

واستطرد أنطون: «الرواية التجريبية هي الرواية التي تنحرف عن الطرق المعروفة لتمثيل الواقع، بهدف تغيير نظرتنا إليه وإلى عملية الكتابة عموماً» مؤكّدًا بأن هناك حالياً «تعايش بين النصوص التجريبية والنصوص الواقعية، وهناك محاولة للإتيان بكتابة واقعية أنضج»، لأن «الادعاء بأن الأدب منفصل عن الحقيقة هو وهم، فالأدب يقوم بتشهير الحقيقة وتشكيل وعي الناس».

وتعرّض أنطون بعد ذلك لمراحل تطوّر الكتابة عبر عصور الحداثة وما بعد الحداثة في العالم الغربي، ومراحل التعددية الثقافية وتأثر الفنون ببعضها، فضرب أمثلةً على ذلك مثل تأثر فيرجينيا وولف بما بعد الانطباعية، أو رفض التقاليد. وأمثلةً أخرى جرى فيها التجريب مثل «مسخ» كافكا، و«الأرض اليباب» لإليوت. كما تطرّق لعصر ما بعد الاستعمار، وإشكالية النظر إلى الحداثة في العالم الثالث. 

بعد ذلك ناقش أنطون أمثلة من أعمال تجريبيّةً في الأدب العربي فذكر «رجال في الشمس» لغسان كنفاني، التي تعتبر من أولى الروايات التجريبيّة العربيّة من حيث تعدّد الرُواة فيها، ورواية «ميرامار» لنجيب محفوظ. والعديد من الأمثلة الأخرى كرواية «رحلة غاندي الصغير» لإلياس خوري، «مدن الملح» لعبدالرحمن منيف، و«المتشائل» لإميل حبيبي و «الزيني بركات» للغيطاني. وبعد ذلك انتقل أنطون لتجربته الشخصية في رواية «إعجام».

وفي اليوم التالي ناقش أنطون مع المشتركين التمارين والنصوص التي قدموها للتدرّب على التجريب، فطرحوا ملاحظاتٍ على نقاط القوة والضعف في كل مخطوط، وتبادلوا الآراء لتطوير الأفكار المقدّمة وكيفيّة معالجتها.

 

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى