ذاكرة حجر.. تمثال نهضة مصر محمود مختار

الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات -سافر الفنان النحات المصري محمود مختار إلى باريس عام 1911 ليعرض نموذجا مصغراً لتمثاله الشهير «نهضة مصر» بمعرض الفنانين الفرنسيين 1920، ونال عليه شهادة الشرف من القائمين على المعرض، ذلك التشريف الذي جعل بعض المفكرين البارزين إلى ضرورة إقامة التمثال في أحد ميادين القاهرة الكبرى.
لأنجاز ذلك الهدف الشعبي، تمت الدعوة إلى تنظيم اكتتاب شعبي لإقامة التمثال وساهمت فيه الحكومة، وتحقق الحلم وأزيح الستار عن تمثال «نهضة مصر» يوم 20 ايار 1928 أمام محطة السكك الحديدية بالقاهرة ليكون في استقبال الداخلين إلى العاصمة ثم انتقل عام 1955 إلى مكانه الحالى مطلا على نهر النيل قريبا من جامعة القاهرة أمام حديقة الحيوان بالجيزة ليخلى مكانه لتمثال رمسيس.
رغم الحماسة الشعبية التي ألهبها شعراء وأدباء ومؤرخون للاكتتاب لإقامة التمثال فإن الشارونى يسجل أن العقاد والمازنى انتقدا التمثال على صفحات مجلة السياسة بشدة، هو أول نقد فنى «تشكيلي» في الصحافة العربية.
محمود مختار، أحد الفنانين الرواد القلائل في فن النحت، بعمر السابعة عشرة بدت موهبة مختار ساطعة للأساتذة الأجانب، مما حدا بهم إلى تخصيص «مرسم خاص» له، ضمن مبنى المدرسة لإعداد منحوتاته بها، من تماثيل، وأشكال تستعيد مشاهد الريف، وملامح رفاق الحي.
موهبته دفعت راعى المدرسة، الأمير يوسف كمال إلى أن يبعث الصبي إلى باريس كي يتم دراسته هناك.
وضع مختار موهبته في خدمة الحركة الوطنية معبراً بتماثيله عن المرحلة الاجتماعية والسياسية التي عاشها: مرحلة النهضة والبحث عن الشخصية المحلية في أعقاب ثورة 1919.
حظي فنه باحترام وتقدير الأوساط الفرنسية الرسمية في المجال الفني، واكتسب تأييداً حماسياً من جماهير الشعب المصري. كان مختار أول فنان يعرض عملاً فنياً في معرض عالمي بباريس، كما كان أول فنان مصري يكسب جائزة من صالون باريس متفوقاً على فنانيها، فقد نال الميدالية الذهبية لمعرض الفنانين الفرنسيين.
محمود مختار هو الفنان الوحيد الذي استقبلته مظاهرات الترحيب بالإسكندرية عند عودته إلى مصر من أوروبا ليقيم تمثالاً يخلد ثورتها الوطنية بعد أن كانت تماثيل الميادين لا تصور سوى الملوك والقادة من الأفراد.
نحت محمود مختار تمثالي الزعيم المصري الشعبي سعد زغلول بالقاهرة والإسكندرية في الفترة ما بين عامي 1930-1932.
على الرغم من أن عمره الفني كان قصيراً، إلا أنه نجح في أن يخلف تراثا كبيرا متميزاً من أعماله التي تضمنت تماثيل ميدانية وأعمال أخرى تعبر عن حياة الريف والقرية المصرية التي تأثر بها، وتمثل صورا للحياة اليومية التي أجادها إبداعا وعبر عنها بشكل فني رائع. رغم ازدهار العديد من المدارس الفنية في ذلك العصر، وفضل أن يعبر عن شخصيته وخلفيته بأسلوب خاص، فقد قام بإحياء تقاليد الفنية المصرية في مختلف عصورها دون أن يغفل تجارب الفن الحديث وأصبح رائد فن النحت المصري المعاصر.
أبرز أعماله: تمثال نهضة مصر، ابن البلد، الحزن، بنت الشلال، زوجة شيخ البلد، تمثالي سعد زغلول، حارس الحقول، حاملات الجرار، الفلاحة، نحو نهر النيل، رياح الخماسين، كاتمة الاسرار.