ذاكرة قماش – «صبرا وشتيلا 82» لعبد الهادي شلا

الجسرة الثقافية الالكترونية
رفعت العلان*
المصدر /الراي الاردنية
قال عبد الهادي شلا: عن جدارية «صبرا شاتيلا 82 « التي رسمها عام 1982 ، هي أبشع مذبحة تقع في القرن العشرين يتعرض لها شعب، هو الشعب الفلسطيني على مرأى العالم وسمعه، ولم يتحرك فيه ساكنا، حتى أولئك الذين رفعوا الشعارات وقرروا التدخل في الوقت والزمان الذي يرون أنه مناسبا، ويتابع، كنت كغيري من فلسطيني الشتات، نتابع وعلى مدار الساعة ما تتناقله وكالات الأنباء عن مذبحة صبرا وشاتيلا بكل الغضب عبر شاشات التلفزيون.
ويقول إن للفنان حساً عالياً بالأحداث مهما صغرت أو كبرت، كنت اشاهد لقطات فظيعة ومؤلمة تمزقني، وأنا أرى أبناء شعبي بينما قوى الأعداء وأعوانهم يمعنون في ذبحهم، ولكن لا حول ولا قوة، كان الوقت مساء، والمذيع ينبه بضرورة ابتعاد الأطفال عن شاشة التلفزيون لأن المشاهد القادمة مفزعة لايحتمل رؤيتها حتى الكبار.
ويشرح، كنت جالساً على الأرض ومن حولي كراسات الرسم والأقلام وبعض الألوان كنت أنتظر وأتابع الصور بينما قلمي يسجل بكل حواسي رسومات تخطيطية لما أشاهد من أثار الجريمة البشعة، إمتلأت الأوراق وأصابني التعب وما كنت أشعر بأنني أجلس ومن حولي زوجتي وطفلي يشاهدون، وقد راعني ما رأيت على وجه طفلي الصغير (طارق ابن الثلاث سنوات) من الصدمة والخوف، كان فمه مفتوحا ليتلقى من يد أمه ملعقة الطعام دون أن يحرك شفتيه، توقف عن الأكل ويد زوجتي ممدودة في الهواء دون أن تدرك أنها تطعمه، أصابتنا الصدمة، ومددت يدي أغطي عيني طفلي الصغير حين انتبهت زوجتي أن ولدنا مُروَّع.
كانت الأيام بطيئة، حزينة والصور لا تغادر مخيلتي، يزداد تفاعلي مع كل الرسومات التخطيطية التي استطعت أن أسجلها من مشاهداتي للتلفزيون ومن بعض الصور التي نشرتها الصحف.
في المرسم كانت اللوحة الكبيرة «جدارية» تنتظر ساعة الميلاد، اربعون يوما وأنا أرسم هذه الجدارية دون توقف وكلما تراءت في مخيلتي تلك المشاهد المرعبة كنت أصب مشاعري نارا تولد الألوان الحارة والخطوط القاسية ومساحات من الدمار في خلفية اللوحة، بينما فتاتان تصرخان وقد غطتها الدماء، وأم في يسار اللوحة تحتضن طفلها المفزوع رافعا يديه الصغيرتين مستغيثا من نار تأكل جسده الغض وهي تصرخ في فضاء لا متناه، بينما عجوز تحنو على صدر زوجها الشيخ تسكب الدمع في حسرة، رجال وشباب يشكلون خلفية اللوحة وقد تحطمت على رؤوسهم المباني، ولا منقذ.
هذه اللوحة كبيرة الحجم، يقول شلا: صورت فيها الحدث ساعة وقوعة بأسلوب تعبيري خروجا على أسلوبي الفني في تلك الفترة، وسجلت خطوات تنفيذها يوما بيوم، فقد كنت كلما انتهيت من رسم جزء منها ألتقط له صورة حتى جمعت مراحلها في مجموعة صور وخطوات لاشك أنها ستفيدني يوما ما لفهم ما ضاع بين الفزع والغضب. أطلقت عليها اسم ( صبرا شاتيلا 82 ) وهي لوحة زيتية على قماش.
اللوحة عرضت في عدد كثير من البلدان العربية والأجنبية وكان أهمها طوكيو باليابان وكان آخر عرض لها منذ خمسة أعوام في جامعة ويسترن بمدينة لندن الكندية بمقاطعة أونتاريو، وقد شاهدها الكثيرون الذي أحسوا بما فيها من معنى وكان تساؤلهم دائما:
لماذا يحدث هذا في القرن العشرين؟