ذاكرة قماش.. «عشاء في رحلة بالقارب» لبيير رينوار

الجسرة الثقافية الالكترونية 

رفعت العلان*

المصدر / الرأي الاردنية

– تعتبر هذه اللوحة واحدة من أعظم أعمال بيير رينوار. وقد رسمها أثناء رحلة له مع بعض أصدقائه بالقارب على ضفاف السين. وفي اللوحة أصدقاء الفنان من الرجال والنساء الذين ينتمون إلى خلفيات ومهن مختلفة وهم مجتمعون داخل مقهى بضاحية شاتو الباريسية. وبين هؤلاء صحفيون وممثّلات وعارضات أزياء. كما تظهر في اللوحة «الين» ذات العشرين عاما التي أصبحت في ما بعد صديقة لرينوار ثم زوجة له.
موضوع «عشاء في رحلة بالقارب» لا يختلف كثيرا عن مواضيع لوحات رينوار الأخرى. كان رينوار يرسم رجالا ونساء يعيشون حياة بسيطة ويمتّعون أنفسهم ويستمتعون بالحياة بطريقة مرحة وتلقائية. وأماكنه المفضّلة كانت الطبيعة، وصالات الرقص حيث كان يصوّر الشبّان والفتيات وهم يسترخون ويتحدّثون ويراقص بعضهم بعضا. لكن مؤسّسة الفنّ الرسمية في فرنسا آنذاك لم تكن تستسيغ مثل تلك المشاهد، وكانت تلحّ على الفنّانين برسم مناظر تاريخية أو دينية أو أسطورية تظهر صورا لأبطال من الأزمنة القديمة. ومع ذلك تحدّى رينوار هذا العرف ورسم ما كان يعتبره صورا من الحياة الحديثة في ذلك الوقت بأسلوبه المبتكر والمضيء.
أكثر ما يلفت الانتباه في اللوحة، تلقائية الموضوع وحيوية شخوصه وألوانه المترفة، إذ يغلب الزهري والوردي وظلالهما على عموم المشهد. وممّا يفتن العين بشكل خاص في هذه اللوحة الطريقة البارعة التي اتّبعها رينوار في رسم الطاولة ذات القماش الثلجي وكذلك الزجاجات البلّورية اللامعة والكؤوس الفضّية المتوهّجة المصفوفة على المائدة.
كان رينوار في حياته إنسانا عصبيا وقلقا رغم عشقه الكبير للحياة ومن الواضح أنه لم يكن يرتاح كثيرا لشخصيات الطبقة الراقية. ومواضيع لوحاته بشكل عام كانت قريبة من حياة الطبقة الوسطى. ومن بين الرسّامين الانطباعيين كان رينوار ينحدر من خلفية اجتماعية متواضعة، فقد كان والده خيّاطا يعيل سبعة أطفال كان «بيير أوغست» سادسهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى