ذاكرة قماش.. «نبوخذ نصّر» لوليام بليك

الجسرة الثقافية الالكترونية

في هذه اللوحة، نبوخذ نصّر بشعره الذهبيّ يفيض على ظهره، ولحيته الطويلة تسحب في الأرض. فمه المشدوه وحاجباه الكثيفان وعيناه المحرقتان توصل شعورا باليأس والصدمة والرعب. جذع الشجرة الكبير خلفه ربّما يشير إلى الشجرة الكبيرة التي قال انه رآها في الحلم.
بليك قام برسم الخلفية بخطوط فضفاضة، بينما اختار أن يرسم الجسد والعضلات بتفاصيل وخطوط واضحة. قوّة جسد نبوخذ نصّر توحي بأن هذه لم تكن هيئته الأصلية وبأنه تحوّل من حال إلى حال. عيناه المرعوبتان هما وحدهما ما يذكّر بهيئته الإنسانية الأصلية. يمكن أن تكون هذه لحظة العقل عندما يدرك انه بشر وأن الله قادر على تغيير هيئته.
قصّة دانيال عن تحوّل نبوخذنصّر إلى حيوان يبدو أن الغرض منها تبيان قدرة الله، مع أن لا سند تاريخيّا يؤكّد القصّة. لكن كان هناك تقليد قديم يربط الفساد الأخلاقي وعصيان أوامر الربّ بالمظهر الحيواني.
التفسيرات المعاصرة لما حدث لـ نبوخذنصّر، على افتراض صحّة القصّة، عديدة ومتباينة. بعض علماء النفس، مثلا، يعزون جنون نبوخذ نصر إلى الشلل أو مرض الزهري أو إلى إصابته بالخرف الدماغي. لكن هناك تفسيرا رائجا بكثرة، ومفاده أن نبوخذ نصّر ربّما كان يعاني من مرض عقلي اسمه انسينيا زونثروبيكا، وهو اختلال عقليّ يدفع المريض إلى الاعتقاد بأنه تحوّل إلى حيوان «ذئب غالبا»، ومن ثم يتصرّف كما تتصرّف الحيوانات.
كان بليك يعتقد بأن الخيال، لا العقل، هو العنصر المهيمن على طبيعة الإنسان. ولوحته الحيوانية عن نبوخذ نصّر تصوّر الجانب اللاعقلاني والذي لا يمكن التحكّم به في طبيعة البشر. ويقال انه أراد من وراء صورة نبوخذ نصر المجنون التعبير عن اعتراضه على أفكار نيوتن العقلانية. ولو نظرنا إلى هذه اللوحة من منظور العقل الحديث لتوارى الجانب الأخلاقي والديني فيها وأصبحنا بإزاء صورة تتحدّث عن معرفة الذات. فالاعتداد المفرط بالنفس من شأنه أن يُفقد الإنسان صلته بالواقع ويدفعه للمبالغة في تقدير نفسه وإمكانياته.
وليام بليك، شاعر ورسّام رؤيويّ، كان يحتقر التركيز على التفكير العقلاني. كما عُرف بتمرّده على المدرسة الفنّية السائدة آنذاك، وفضّل أن يخلق عالمه الفنيّ الخاصّ به

….

الراي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى