ذاكرة قماش

الجسرة الثقافية الالكترونية
المصدر / الراي الاردنية
اشتهر فانتان – لاتور بنوعين من اللوحات: مشاهد الزهور المرتبة في مزهريات أنيقة على الطاولة، والصور الشخصية لمعارفه من الفنانين والمثقفين، وأشهر واحدة في الفئة الثانية هي «محترَف باتينيول».
«باتينيول» هو اسم المنطقة التي كان يقع فيها محترَف إدوار مانيه رائد الانطباعية، الذي نراه هنا جالساً على كرسيه، يرسم صورة شخصية للنحات والناقد الصحفي زكريا أستروك الجالس على الكرسي المقابل.
وخلف مانيه، يقف الرسام الألماني أوتو شولدرير الذي كان قد حضر إلى باريس للتعرف على أتباع الرسام كوربيه. أما الخمسة الذين يقفون في مجموعة متراصة، فهم «من اليسار إلى اليمين»: رينوار، أميل زولا الروائي والمتحدث باسم الانطباعية، أدمون ماتر المسؤول عن قاعة معارض، الرسام فريدريك بازيل «الأطول» الذي مات بعد بضعة أشهر في حرب 1870م، وكان له من العمر 26 عاما فقط، وأخيراً في أقصى اليمين كلود مونيه.
وهذا الحشد من الشخصيات التي رسمت وجوهها بأمانة شديدة للواقع، يكفي لوحده أن يجعل هذه اللوحة وثيقة تاريخية نادرة. فكيف الحال إذا أضفنا إلى ذلك استنفار الفنان لكل موهبته لتحميلها خطاباً محدداً.
التقنية والخطوط والأسلوب والألوان في هذه اللوحة بعيدة كل البعد عن عالم الانطباعيين، وأقرب إلى الكلاسيكية. ولكن قد لا تكون هناك لوحة تحترم الانطباعيين وتمجدهم أكثر منها.
كل هؤلاء الرجال يرتدون ملابس داكنة ورسمية، وفي هذا إشارة إلى جديتهم، وإلى أنهم يستحقون الاحترام. الجدية نفسها تبدو ظاهرة على وجوههم اليقظة المفكرة، الباحثة.. وتمثال منيرفا في أقصى اليسار يربط عالمهم المعاصر، بعالم اليونان القديمة مهد الفن الأوروبي بأسره. أما الإناء الخزفي قرب التمثال، فيبدو من زينته أنه ياباني، وهو إشارة إلى إعجاب هؤلاء الفنانين الطليعيين بالفن الياباني. كما أن الإطار الفارغ خلف رأس رينوار، يرمز للوحة لم ترسم بعد.. وكأن هذا الحشد من الفنانين يسعى إلى تعبئة هذا الفراغ.