ذاكرة معدن

الجسرة الثقافية الالكترونية –

 

رفعت الغلان

«شهرزاد وشهريار» لمحمد غني حكمت

الفنان النحات محمد غني حكمت بوعيه الجمالي الذي تشكل لديه طيلة هذه المسيرة الطويلة التي قطعها والحافلة بالعطاء والإبداع، ومن خلال نصبه الشهير (شهرزاد وشهريار) الذي يعتبر تجسيدا لواحدة من أروع حكايات الفولكلور الشعبي البغدادي، أراد أن يثير قضيتين لطالما شغلتا الهم الإنساني، تتمحوران حول مستويين أو مسارين يسيران بخط متواز جنبا إلى جنب.. هاتان القضيتان هما الصراع بين الخير والشرمن جهة ودور المرأة في الحياة من جهة أخرى.
المستوى الأول يتمثل بالصراع ما بين الفن والجمال الذي تمثله (شهرزاد)، وبين القتل الذي يمثله (شهريار).. أما المستوى الثاني فيتمثل (قيميا) ما بين المرأة ومدى قدرتها في ظل إمكانياتها الذاتية في فرض أهمية وجودها كقيمة لها كيان مهم ومؤثر في مسار الحياة، وبين الرجل كسلطة ذكورية مهيمنة تحاول أن تطبع الحياة بطابعها السلطوي.. مع ملاحظة أن المرأة كانت في الحضارات القديمة آلهة للحب والجمال. هذه المعطيات لايبرزها النصب من خلال كتلته التجريدية بمعزل عن وقائع الحكاية وأجوائها.
إن قراءة النصب لا تكتمل ولا تنتج أحكاما معرفية وجمالية مالم تكن الحكاية التي يصورها ويختزلها النصب قد حضرت بكل تفاصيلها ونتائجها لحظة الشروع بتأمل النصب وتماثيله، السؤال الذي يقفز إلى الذهن بمجرد تأمل النصب(مكانيا) -وهو نصب ينفتح فضاؤه على أربع جهات مستفيدا من كونه ثلاثي الأبعاد- هو:- من يقف بين يدي الآخر أو من يخضع لسطوة الآخر لحظة سرد تلك الحكايا على مدى الف ليلة وليلة؟ شهريار المتسلط (سطوة السيف) أم شهرزاد الساحرة بحكاياتها الأخاذة والمثيرة (سطوة الفن والأدب).
النصب يصور هذا (التساؤل/ الصراع) وفق المستويين أعلاه. غير انه لا يعطي جوابا، محيلا المتلقي للنص الحكائي للمشهد برغم أن النصب يوحي للوهلة الأولى بالجواب ولو (لحظيا) وفق مفاهيم شعبية ربما تؤشر مكانة (المتكئ) شهريار بمقابل (الواقف)شهرزاد، وهذا المفهوم الشعبي يمكن للوهلة الأولى أن يعطي الأهمية لشهريار، إلا أن احتدام الصراع وبالرجوع إلى النص الحكائي، تظهر قيمة شهرزاد التي استطاعت بفعل الفن وجماليات (القص) تغيير ذلك الواقع (السلطة الذكورية/ سفك الدم) إلى واقع آخر متأثرا عبر أكثر من الف ليلة إلى تلاشي واضمحلال شهوة القتل، لينفتح عصر جديد من الخير والجمال كانت بطلته بلا منازع: المرأة/ شهرزاد، والنصب الذي أبدعه حكمت انتصر لقيم الخير، وما يمكن أن تلعبه في التغيير المنشود إلى واقع أكثر جمالا.

الراي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى