ذاكرة وتاريخ مسرح: مسرح سيرفانتيس في طنجة / ادريس علوش

الجسرة الثقافية الالكترونية-خاص-

 

في الثاني من أبريل من سنة 1911،سنة قبل بسط شرك الحماية الكولونيالية على مغرب العشرية الثانية من القرن العشرين وضع حجر الأساس لمسرح سرفانتيس في مدينة طنجة ذات السيادات الدولية،الذي وضع تصميمه العمراني ،المهندس الإسباني”دييغو غومير”،والذي كان في ملكية “مانويل بينيا” وزوجته “اسبرانسا أوليانا”. في سنة 1913 انتهت الاعمال وأوراش البناء في مسرح سرفانتيس أوكما أسمها الاسبان “مسرح سرفانتس الكبير” لتنتعش أنفاس فضاءاته بالاعمال الفنية الرائعة في  المسرح والموسيقى والرقص  والعروض  الأوبرالية،واللقاءات  ذات المستوى العالي  للشخصيات الاسبانية الكبرى إبان المرحلة الكولونيالية خصوصا في خمسينيات القرن العشرين،حيث كان يعد من أكبر مسارح شمال إفريقيا،وكان يتسع لأزيد من 1400 متفرج،ومدرج نصف دائري،كما كان يتوفر على معدات تقنية وفنية كبيرة مقارنة مع ما كان يتوفر في تلك المرحلة في المسارح الأخرى بما فيها المسارح الأوروبية.

وفي سنة 1928 سيتنازل على ملكيته للدولة الإسبانية مالكيه “مانويل بينيا” و زوجته “اسبرانسا أوليانا” ليضمنا الحضور الوازن لاستمرار الثقافة الايبيرية في طنجة،واستمرت فيه الحيوية الفنية  الدائمة إلى غاية سنة 1962 حيث تم إغلاقة لأنه كان يحتاج للصيانة وترميم ما تخرب من فضاءاته .

مسرح سرفانتس سيشهد العديد من الاعمال الفنية العالمية في المسرح والموسيقى والرقص،ومن مشاهير الاغنية الاسبانية  إبان تلك المرحلة:”تيتو روفو”،و”أدلينا باتي”،وفرقة”سارسويلا الفكاهية”،و”مارغيا كونزا كونزاليز”و”ايستيسيو وانا”والمكسيكية”ايرما فيلا”.

 

شهادة رشيد أمحجور من موقعه باحثا في  شؤون الثقافة والحياةالمسرحية المغربية سلطت الضوء حول المصير الذي يعرفه مسرح سرفانتس:

“بالنسبة لمسرح سرفانتس في طنجة ، فهذا الآخير يعرف حاليا وضعية خاصة بين الجهة المالكة وهي دولة اسبانيا التي صرفت حولي مائة ألف أورو لتقوية بنيات هذه المعلمة التاريخية التي تبين لها  أن الأفق هو  ترميم مسرح سرفانتس وتفويته إلى الدولة المغربية لتدبير شؤونه الفنية.

وقد تم سابقا عبر وزارة الثقافة المغربية محاولة تفويت مسرح سرفانتس الى الجماعة الحضرية لمدينة طنجة على أساس أن تقوم بإصلاحه وتهيئة محيطه وتجهيزة ليؤدي وظائفه الفنية والحضارية كبنية فنية وثقافية للمدينة.إلا أن ذلك لم يتم مادامت الجماعة الحضرية لم تأخذ هذا الموضوع مأخذ الجد ليظل مسرح سرفانتس في ملكية الدولة الاسبانية . ويضيف الدكتور رشيد أمحجور:”وتكاتفت اللقاءات بين الطرف الاسباني ونظيره المغربي في شخص وزارة الثقافة والجماعة الحضرية لمدينة طنجة وجهات إسبانية وفي مناسبات عديدة.لكن المسرح لم  يجد حلا له على مدار سنين عديدة  لتبقى المسؤولية موزعة فيما بين الوزارة الوصية على الشأن الثقافي  وهي في حاجة إلى دعم مادي  للقيام بواجبها  اتجاه هذه المؤسسة وجماعة حضرية لا تمكلك تصورا متكاملا مستمدا من السياسة الثقافية لانقاذ هذه المعلمة من الضياع،ليظل مصير هذا المسرح العظيم مسرح سرفانتيس عرضة للسقوط وآيل للخراب.”

المسرحي رضوان حدادو ذاكرة الشمال المسرحية والذي يعد مرجعية أساسية ومهمة نظرا لم كسبه من معارف تخص حياة وشأن المسرح في مدن الشمال يقول عن مسرح سرفانتس بطنجة استنادا الى معرفته الثقافية والتاريخية:

“هو الآن يعيش وللآسف حالة موت بطيء،الوعود والمتمنيات من جهة عدة لن تسعفه ولن تشفيه.هذه السنة ستحتفي هذه المعلمة بذكراها المائة –قرن بكامله-على إقامة هذا المسرح العظيم الموشوم في ذاكرة المسرح المغربي”. وفي ارتباط هذا الفضاء المسرحي بمسار الحركة الوطنية التحررية في مدن الشمال يضيف الباحث المسرحي رضوان حدادو فيما يتعلق بالجدل القائم بين المسرح والسياسة:

“مسرح سرفانتس لم يكن قاعة للمسرح فقط بل كان  ملتقى لفاعلية ونضالية الحركة الوطنية في شمال المغرب والتي كانت تجد فيه المتنفس في تمرير خطابها الوطني التحرري من نير الاستعمار” ولم ينس أن يشير أن قاعة عرض  مسرح سرفانتيس  بمدينة طنجة “هي من أقدم القاعات المسرحية في المغرب”.

وعن الذاكرة التاريخية لمسرح سرفانتس والعروض الفنية التي عرضت فيها يقول الأستاذ رضوان حدادو:” من أهم المسرحيات التي احتضنتها خشبة مسرح سرفانتس مسرحية صلاح الدين الايوبي التي قدمت أكثر من أربع مرات  أو خمس ،وقد عثرت على رسالة للحاج عبد السلام بنونة أوائل الثلاثينيات إلى ولده الطيب الذي كان يتابع دراسته في مدرسة النجاح بنابلس يخبره أنه توصل بدعوة من فرقة الهلال المسرحية لحضور عرض “صلاح الدين الأيوبي”بطنجة وقد توجهنا بوفد يضم 300 شخصا.

وفي دعوة أخرى ولحضور نفس المسرحية توجه الحاج عبد السلام بنونة بوفد أقوى وأكثر من المرة الأولى والغاية كانت في أساسها هي إجتماع وتواصل مناضلي الحركة الوطنية التحررية المغربية”.

وفرقة الهلال على حد تعبير المسرحي رضوان حدادو:” كانت تكتري لباس مسرحيتها  التاريخي من جبل طارق.” ومن الشخصيات العلمية والمسرحية في مدينة طنجة التي اشتغلت في مسرح سرفانتس يذكر الأستاذ رضوان حدادو:

“قدم نجيب الحداد – المسرحي الشهير في مدينة طنجة -عدة مسرحيات فوق خشبة مسرح سرفانتس،فيما كان المرحوم العلامة عبد الله كنون واضع النشيد الرسمي لفرقة الهلال المسرحي،والمسؤول عن التدقيق اللغوي للمسرحيات التي تعرضها الفرقة”.

ومن أجل إنعاش الذاكرة الجماعية وإعادة الحياة  لهذا الفضاء الفني العظيم يقول الأستاذ رضوان حدادو:”لكي يستمر مسرح سرفانتس في الوجود الفني قدمت عدة عرائض وقعها المجتمع المدني وفعالياته الجمعوية والفنية والإبداعية والثقافية”. ويضيف تفاؤلا بما يتم التفاوض حوله حول هذا الشأن وهذه المعملة وإمكانية نفخ الحياة  فيها من جديد:

“سمعنا مؤخرا أن هناك نية بين عمدة طنجة وجهات إسبانية وصية عن مسرح سرفانتس في طنجة قصد إنقاذ هذه المعلمة  وهذا ما نتمنى أن يتكلل بالتوفيق والنجاح.”

مزوار الإدريسي الشاعر والمترجم لعدة أعمال أدبية إسبانية ونقلها إلى اللغة العربية ، كما أنه ترجم عدة أعمال  أدبية تنتسب إلى عدة أجناس ونقلها من اللغة العربية إلى اللغة الإسبانية،وهو متابع جيد لما يحدث من تحولات في ثقافة الجارة إسبانية يقول :”مسرح سرفانتس معلمة فنية ثراتية يفترض أن يتعامل معها بالقيمة نفسها  وذاتها التي يُتعامل مع مختلف الأثار الانسانية المصنفة.وميزاتها أنها قابلة للترميم ولاعادة الحياة الفنية والمسرحية لمدينة طنجة.

شخصيا –يضيف مزوار الإدريسي -شاهدت وزرت مسرحا في مدينة “أغواس كالينتس”بالمكسيك الذي يعود تاريخ تشييده إلى  سنة 1886 وقد حوفظ عليه ولايزال هذا المسرح إلى الآن مبعث حياة مسرحية وفنية”. وعن إمكانية استعادة الحياة وعودة الروح لمسرح سرفانتيس يضيف الشاعر مزوار الادريسي:

“أعتقد أن الارادة هي ما نفتقد إليه لانقاذ هذا المسرح  فهو سيكلف على مستوى الترميم ميزانية كبيرة و ضخمة ،يمكن بنفس الميزانية بناء مسارح صغيرة وسط الاحياء الكبرى للمدينة،ومع ذلك فإن استرجاع هذه المعلمة لحياتها الطبيعية والوظيفية في مغرب الاستقلال أمر له أولويته،ومسرح سرفانتيس يعد من معالم الاستعمار الجميلة التي يجب الحفاظ عليها.خصوصا أن مسرحيات عالمية كبرى لكبار مؤلفي المسرح الاسباني وعلى رأسهم غارسيا لوركا تم تشخيصها على أرضية خشبة مسرح سرفانتس بطنجة”. وعن الاهتمام الفعال من الجانب الاسباني من أجل إنعاش الذاكرة الحية لهذا المسرح يقول:

“خصصت الفنانة التشكيلية الاسبانية “كونسويلو هرنانديس” معرضا وكاتالوغا بكامله سنة 2005 لمسرح سرفانتس بطنجة يتضمن بعض من لواحاتها التي احتفت بمسرح سرفانتيس.وفي شهر يوليوزمن سنة 2013  عرضت لواحات وكتابا جديدا عن سرفانتس المكان والفضاء والمسرح،يشارك فيه مجموعة من المبدعين والفنانين  والكتاب الإسبان الذين يساهمون بكتاباتهم ونصوصهم حول مسرح سرفانتيس في طنجة”. ليخلص مزوار الادريسي إلى حالة الاستفهام والاستغراب التي يوجد عليها مسرح سرفانتيس في طنجة  الآن بقوله:

“أستغرب صراحة كيف نتعامل بتجاهل مع هذه المعلمة الخالدة في الوقت الذي يحتفي بها وبكل الأشكال جيراننا في الضفة الأخرى بهذه الأهمية العالية والقوة الابداعية”.

مؤخرا وفي إطار مد جسور التواصل الثقافي والفني مع الجارة إسبانيا عرف موضوع مسرح سرفانتيس انفراجا أسس له عمدة مدينة طنجة عبر عقد عدة اجتماعات مع القنصل العام الاسباني ” أورتو ريخ تابيا”بطنجة ومع جهات أخرى وصية على الشأن الثقافي الإسباني لايجاد صيغة ملائمة لانقاد مسرح سرفانتس من الضياع والتلف والنسيان،عبر بدء مشاوات لاعداد دراسة لمشروع الترميم وتحديد تكلفته من أجل إعادة الحياة من جديد لهذه المعلمة الفنية والتاريخية والحفاظ عليها في إطار تصنفيها تراثا إنسانيا وحضاريا في آن.

هذا ما تنتظره طنجة بفارغ صبرها وتحديدا في الذكرى المائوية لتشييد صرح مسرح سرفانتيس،لآن أفقها الحضاري والإنساني لا يستقيم إلا بالحياة الثقافية والابداعية المستمرة والمتجددة،وحتى لا تطال هذه المعلمة التي انتصرت دوما لقيم الانسان والحضارة والعدل والجمال والتعايش بين الحضارات الانسانية،تحتاج طنجة فعلا لإرادة الفعل والعمل من أجل استشراف المستقبل ورحابته اللامتناهية التي تخص بالتحديد والدقة هذا المسرح التاريخي.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى