رحيل الباحث الفرنسي جان فونتان

توفي صباح الأحد 2 مايو 2021 الكاتب والناقد الأدبي جون فانتان عن عمر يناهز الثمانين عاما بعد صراع مع مرض كورونا.
وقد مثّل الباحث الفرنسي جان فونتان (1936 – 2021) أحد أبرز وجوه الثقافة في تونس ما بعد 1956 حين حلّ فيها طالبًا للثيولوجيا، وهي السنة التي تُقابل تاريخ استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي.
قرّر فونتان أن يدرس العربية لاحقًا، بداية من ستينيات القرن الماضي، بدأها من تعلّم الأبجدية وصولًا إلى نيل شهادة الدكتوراه عن رسالة حول أدب توفيق الحكيم نُشرت لاحقًا بعنوان “الموت-الانبعاث: قراءة في أدب توفيق الحكيم” (1978).
منذ السبعينيات، يصبح فونتان أحد أنشط رجال الثقافة في تونس من جهة لكونه يمثّل جسرًا بين الثقافتين العربية والفرنسية، وأيضًا لكونه اختار لنفسه أن يكون مؤرّخًا للأدب التونسي. وقد نشر في 1977 كتاب “عشرون عامًا من الأدب التونسي (1956 – 1976)”، ثم أصدر في 1985 كتابًا بعنوان “ملامح من الأدب التونسي (1976 -1983)، ثمّ انبرى لإنجاز عمل موسوعي بعنوان “تاريخ الأدب التونسي من خلال النصوص” في ثلاثة أجزاء اكتملت سنة 1999.
لكن أبرز حضور لفونتان كان في الحياة اليومية حيث احتكّ بمعظم وجوه المثقفين التونسيين من خلال إشرافه على بعض المكتبات وعلاقته المتينة بالحياة الجامعية، وخصوصًا إشرافه على مدى أكثر من عقدين (1977 – 1999) على مجلة “إبلا” (مجلة معهد الآداب العربية) التي مثّلت أحد أنشط الفضاءات لمناقشة المسائل الفكرية والأدبية.
نلمس هذه العلاقة من خلال تدوينات عدد من المثقفين التونسيين، حيث كتب الروائي والباحث شكري المبخوت على صفحته الفيسبوكية: “رحم الله جان فونتان. لم يكتب أحد عن الأدب التونسي، من قرطاج إلى العقد الأول من القرن الحالي، مثلما كتب هو بإخلاص وتواضع وجد”.
وكتب أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية صالح مصباح: “وداعًا جان فونتان. بدأتُ ارتياد معهد الآباء البيض منذ تشرين الأول/ أكتوبر1980 (بداية سنة إعداد الباكالوريا) ولم أنقطع عن ذلك إلى يوم الناس هذا – وقد عاينت في جان خير مُعين للباحثين المبتدئين منهم والمحنكين؛ من يشاطره منهم رؤيته للأدب التونسي والثقافة الإسلامية عمومًا، ومن يختلف عنه: قاعدته المزدوجة في ذلك إيتيقا تسامح معرفي وعقدي عميقة وإنسانوية صميمة”.
وكتبت الناقدة سلوى السعداوي: “رحم الله جان فونتان المثقف الخدوم النصوح.. كان يستقبلنا في مكتبة الآباء البيض بحي “معقل الزعيم” بابتسامة واحترام، وكان يحرص على تلبية رغباتنا في البحث عن مراجع نادرة”.
وكتب أستاذ التاريخ في الجامعة التونسية فتحي ليسير: “جان فونتان وداعًا. رجل خدم الثقافة التونسية بعشق وسخاء”. وأشار الكاتب محمد صالح بن عمر: “كان الفقيد يحمل شهادة دكتوراه الدّولة في الآداب العربيّة وقد قضى فترة طويلة من حياته في دراسة الأدب التونسيّ فألّف عنه أكثر من عشرين كتابًا. وعلى الرّغم من هذا الجهد الجبّار الذي بذله في خدمة تونس فقد رُفِضَت له مرارًا الجنسيّة التونسّية لأنّه مسيحيّ العقيدة وقسّ ولا أدري إن مُنحتْ له بعد 2011”.
كما حضر نعيه في صفحة “دار الكتب الوطنية” ونقرأ ضمنه: “عالم الكتب والمكتبات حزين اليوم بفقدان أحد الموثّقين والحافظين والمؤرّخين للأدب والثّقافة (…) سيترك جان فونتان بصمته في الثّقافة التّونسيّة على أمل أن نوليه حظّه من الذّكر والاهتمام والدّراسة، بقدر ما اهتمّ بالكتاب والكتابة في بلادنا، وبقدر عنايته بمكتبة الآباء البيض التي استقطبت أجيالًا من الطّلبة والباحثين”.
المصدر: العربي الجديد