ردّ الاعتبار لأدب السيرة الذاتيّة العربيّة

الجسرة الثقاقية الالكترونية-الراية-
صدر حديثًا عن مشروع “كلمة” للترجمة، كتاب ” ترجمة النفس: السيرة الذاتية في الأدب العربي”، الذي تعاون على إنجازه تسعة باحثين من أساتذة الأدب العربي والدراسات الإسلامية في الجامعات الأمريكية، تحرير دويت راينولدز وترجمة سعيد الغانمي. هذا البحث المعمق ينطوي على مقاصد وأهداف لعلّ أهمها التأكيد على أن أدب السيرة الذاتية أو ما يسميه مؤلفو الكتاب بترجمة النفس ليس خاصًا بالأدب الغربي.
عرف الأدب العربي الترجمة منذ القديم، ما جعل منه نوعًا راسخ التقاليد عند العرب منذ زمن طويل. ويتجلى هدف الكتاب في العمل على إنقاذ هذا النوع الأدبي من التجاهل لدى الباحثين العرب. يشكل الهدف الأول كما يؤكّد مؤلفو الكتاب محاولة للردّ على الرؤية الاستشراقية، التي تقول إن السيرة الذاتية العربية، هي سيرة ناقصة لأنها تفتقر إلى البوح الذاتي رغبة من كاتبها في أن يتماشى مع الهُوية الاجتماعية. أهمية الكتاب، تتمثل في أنه يكاد يكون الكتاب الأول في الأدب الأمريكي الحديث، الذي كان نتاج قراءات ومراجعات ومناقشات مستفيضة بين مجموعة كبيرة من المؤلفين المختصين في هذا المجال.
قبل الخوض في أدب السيرة الذاتية عربيًا يحاول الكتاب الردّ على مغالطة الأصول الغربية لهذا النوع الأدبي، كما ظهرت في كتب ودراسات مؤلفين غربيين أكدوا فيها أن أدب السيرة لم يعرف خارج حدود الثقافة الأوروبية، بل إن بعضهم ربطه ربطًا وثيقًا بالمسيحية، وكأن المسيحية ملكية خاصّة بالأوروبيين ولم يعرفها أحد من قبلهم “إن السيرة الذاتية كشكل أدبي ظاهرة غربية ابتكرها الأوروبيون المحدثون، وارتبطت بالمسيحية ارتباطًا لا ينفصم”.
الدراسة التي تحاول الردّ على أسطورة الأصول الغربية للسيرة، تكشف عن التمترس الغربي داخل حدود اللغات والآداب الغربية، الأمر الذي يجعل الباحثين والمؤرخين الاجتماعيين الغربيين يصرون على أن الخصائص البنائية والبلاغية للسيرة الذاتية الغربية المرتبة زمنيًا والقائمة على أساس سردي مقياس لمستوى الشعور بالذات والهوية الفردية المتجلية، في حقب تاريخية أخرى أو ثقافات مغايرة. من هنا كان من الطبيعي أن يتمّ تجاهل أشكال كتابة السيرة الذاتية غير الأوروبية.