رضوان السيد في ‘أزمنة التغيير’: هل قلد الإخوان الوليّ الفقيه أم العكس؟

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

محمد الحمامصي

 

تمحور الهم الأساسي في هذا الكتاب للمفكر د. رضوان السيد “أزمنة التغيير.. بين الدين والدولة والإسلام السياسي” والصادر عن مكتبة الأسرة ضمن سلسلة علوم اجتماعية، على صون الدين في أزمنة التغيير، من طريق إخراج الدين من بطن الدولة، وكسر القيود والأغلال التي تفوق بها الإسلاميون الحزبيون والعنيفون الدين والمؤسسات والمجتمعات والدول، متناولا تحت عناوين أبوابه الثلاثة: الإسلام والدولة في الأزمنة الحديثة، والصراع مع الدولة الوطنية ومع العالم، وقضايا التغيير والنهوض ومشكلاتها، العديد من القضايا الإشكالية في علاقة الإسلام والإسلامين بالدولة والمجتمع والعالم.

 

وقد كُتب جزء من الكتاب بين عامي 2008 و2010 فيما كتب الجزء الآخر في السنوات الأربعة الماضية منذ انطلاق ثورات الربيع العربي حتى الآن.

 

في علاقته لولاية الفقيه وولاية المرشد، يتساءل د. رضوان السيد “هل قلد الإخوان الوليّ الفقيه أم العكس؟” ويجيب “لقد قلدهم الشيعة في البداية لجهة الفكرة والمشروع، وقلدوا الفقيه في المآلات لجهة تولي مهام إقامة الدين والدولة معا.

 

وقد أخبرني قبل سنوات أحد أعضاء التنظيم الدولي في الإخوان المسلمين أنهم عندما زاروا الخميني بباريس عام 1979 عاب عليهم التأخر في التواصل والزيارة، وقال لهم: إن مشروع الدولة الإسلامية هو مشروعهم في الأصل، “وقد انصرف تلامذتي في الستينيات لترجمة كتب سيد قطب، وما سميت نفسي مرشدا إلا تبركا بالشيخ حسن البنا”!

 

ويضيف د. رضوان أن الدولة الدينية في فكر الإسلاميين الحزبيين المعاصرين هي مشروع حديث التكوين ظهر نتيجة ثلاثة عوامل: التجريب الاستعمار للثقافة التقليدية وأعراف المجتمعات، وسوء حظ المجتمعات مع الدولة الوطنية في مرحلتها العسكرية والأمنية، وقدرة الإسلاميين على القيام بعمليات ضخمة في تحويل المفاهيم، بحيث صارت السلطة الدينية مختلفة في المفهوم والتطبيق.

 

لقد استغل التنظيم مهمة ارتهان الشرعية والقول بضرورة الاستيلاء على السلطة من أجل استعادتها، والنجاح في ذلك رهن بتغير طبائع الدين أو الثقافة والوعي.

 

أما الشيعة فإن إقامة الدولة ما كانت من مهام الفقيه، بل من مهام الإمام عندما يظهر. لكن الفقيه حل محل الإمام، فهناك تغيير بارز في طبيعة المذهب أيضا، فالفقيه الشيعي يشبه التنظيم العقائدي السني بقيادة المرشد، وهما مهمتان إحداهما ثيوقراطية والأخرى نوموقراطية: دولة الولي الفقيه ثيوقراطية لأنها قائمة على شخصه بذاته باعتباره وكيلا للإمام الغائب. ودولة الإخوان نوموقراطية لأنها قائمة على الشريعة والقانون الإلهي أو “النوموس” بالتعبير الإغريقي، ولا فرق بينهما في المآل بسبب الإرادة المصممة للاستيلاء على السلطة وإقامة دولة الدين”.

 

ويرى أن إنقاذ الدولة الوطنية أو الإصلاح السياسي هو الشرط الضروري لإصلاح الشأن الديني، وأثناء عمليات إصلاح الشأن الوطني والسياسي يكون ضروريا الخطو نحو المرحلة الثانية من المراحل الثلاث للإصلاح الديني. المرحلة الأولى: فك التشابك والاشتباك بين الديني والسياسي بعودة السياسية إلى الممارسة الصالحة لإدارة الشأن العام.

 

والمرحلة الثانية: إعادة الاتساق والسكينة إلى علائق المؤمن بدينه، من طريق نقد تحولات المفاهيم والوعي، وتصحيح التواصل بين الفرد ودينه، وبين الجماعة والنص والمؤسسة. وهذه مرحلة ممضة وصعبة لكن لا بد من الدخول فيها رغم آلامها وقسوتها.

 

والمرحلة الثالثة فهي مرحلة تكوين الرؤية الجديدة للعالم، وعلاقات المفاهيم بين الديني والدنيوي وبين الفردي والجماعي، للخروج من مأزق الهوية وتردداتها التخريبية. وفي مكانة المؤسسة الدينية عند السنة والشيعة، وإمكانات الاستمرار وطرائقه وصلاحياته. فقد أخل ضعف المؤسسة في الإسلام السني بوحدة المرجعية والعبادة والفتوى، كما يكاد التشيع ينفجر تحت وطأة قوة المؤسسة الدينية المتحولة من مرجعية اختيارية إلى ثيوقراطية حاكمة”.

 

ويشير د. رضوان السيد إلى أن في التجربة السياسية التاريخية والأخرى المعاصرة سلبيات ومصائب كثيرة ليس أقلها الطغان والفساد والعنف، بيد أن البلاء الأعظم الآخر هو الذي ابتلانا به الإحيائيون الإسلاميون في العقود الأخيرة، ويقول “أعني بذلك أطروحة الدولة الدنية أو الإسلامية، التي تحيل الدولة دينا أو مؤسسة لخدمته، فيدخل الدن عمليا في خدمة هذا الفريق أو ذاك سعيا لتخليده في السلطة، مثلما فعل الحكام العرب من طريق اعتلاء حتميتي القومية والاشتراكية.

 

لقد انتهى الناس من تجربة الدولة الدينية المخيبة في العصور الوسطى. لكن التجربة تجددت أو تجددت محاولتها في نشأة الكيان الباكستاني والآخر الإسرائيلي وتجربة جمهورية إيران الإسلامية، فلننظر إلى هذه النماذج الثلاثة وما تمارسه كل تجربة منها من سياسات في الداخل وتجاه الجوار والخارج. ولننظر هل جعل استتباع الدولة أو النظام رسميا لدين أو إمام أو مرشد السلطة المعنية أكثر إنسانية أو عدالة أو محافظة على حقوق وأرواح مواطنيها وأهل جوارها ورصفائها في الدين والثقافة والإنسانية؟!”.

 

ويؤكد د. رضوان السيد إن مأزق الفكر الإسلامي الذي لا يستطيع الخروج منه ولا الفكاك يكمن في تلك الرؤية الفصامية للعالم، ومسائل الولاء والبراء، وقد أنتجت السياقات المأزقية صراعا مزدوجا على الإسلام.

 

ويقول: “هناك صراع مزدوج على الإسلام إذن، في الداخل صراع على السلطة مع الأنظمة وعلى المرجعية مع المؤسسات الدينية والتيارات الفكرية الأخرى، ومع الخارج اقتتال في المجال الاستراتجي وفي المجال الثقافي / الحضاري.

 

إنه في في نظر طارق علي وإدوارد سعيد صراع أصوليات، أما الحقيقة فهو صراع الراديكاليات. ومع الراديكالية التي تقاتل حتى الفناء وليس الإفناء لا حديث عن الوسطية، لأن المنبت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى”.

 

وبالوسع القول إننا محتاجون إلى إصلاح سياسي وآخر ديني / ثقافي. بيد أن الإصلاح ليس إجراءات فحسب، بيل بييئات وعزائم ونهضويات، ولا يبدو شيء من ذلك حاضرا، لا عند الأميركيين ولا عند خصومهم. فالأزمة شاملة وقد نالت من المسلمين وهي تنال منذ مدة من الإسلام”.

 

ويشدد رضوان السيد على أن الإسلام الإحيائي بتحوله إلى إسلام سياسي أدخل الدين في مأزقين، يحددهما بـ: مأزق الصراع مع الدولة من أجل الاستيلاء عليها باسم الدين وامتلاكه المشروعية والنظام الكامل، ومأزق الانقسام الديني في الداخل السني والصدام بين السنة والشيعة. فقد استولت الدولة القومية الايرانية على الاسلام الشيعي وهي تسخره لصالح استراتيجياتها الواقعية والوهمية في العالمين العربي والإسلامي، كما أن الإسلام السني الإحيائي بمجمله تطورت لديه رؤية صدامية مع العالم ومع المسلمين الآخرين.

 

وهكذا فإن الحزبيين الإسلاميين يحاولون الاستئثار بالمرجعية الدينية، ويحاولون منافسة الدول على الشأن السياسي. فالمسألة تتجاوز هذا المجتمع أو ذاك، وهذا النظام أو ذاك، لتهدد الوجود الإسلامي والقدرة العربية والإسلامية على التماسك والصمود واستشراف المستقبل من ضمن الاستقرار وإرادة الحياة والتقدم.

 

ويلفت إلى أن التصدي للمسئوليات بشكل جماعي ومنظم ضرورة لتجاوز الاستئثار ولتجاوز إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى الاستبداد ومباشرة الأمور العامة بطرائق تصون الحريات الأسايسية ولا طريق لذلك إلا الآليات الحديثة التي تضمن الحريات الأساسية، وتقيم رقابة تنظيمية وقانونية من خلال الدساتير ومتفرعاتها.

 

كل ذلك ضمن الاقتناع بسلطة الجماعة وإجماعاتها وأكثرياتها وقدراتها على تعقل مشاكلها وإنجاز مصالحها. إن مباشرة الجماعة لسلطاتها بالآليات الديمقراطية كفيل بأن لا يستأثر فريق مهما بلغت سطوته بالأمر الديني أو الأمر السياسي أو تكون فتنة لا تقتصر على الذين سعروا نيرانها من الغلاة وقصار النظر “واتقوا فتنة لا تصب الذين ظلموا منكم خاصة” وقوله صلى الله عليه وسلم”.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى