رمزي أبو رضوان: نوازن بين رمي الحجر والموسيقى

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-
من يتذكر صورة ذاك الفتى الذي كان يرتدي بنطلون جينز أزرق اللون، و«جاكيت» حمراء، وفي يديه الاثنتين حجران، يهمّ برميهما نحو قوات الاحتلال، في بداية أيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى العام 1987؟ صورة أصبحت من «أيقونات» تلك المرحلة، إذ ما من جريدة ومجلة إلا وتناقلتها لتختصر بذلك ما أسمته يومها «أطفال الحجارة». اسم الفتى رمزي «الكمنجاتي» بو رضوان.
نشأ في مخيم «الأمعري» بالقرب من رام الله. تمرّ الأيام، لتظهر أن رمزي لم يكـن «موهوبـاً» بذلـك فقـط، بل تبدّت عنده موهبة أخرى: موهبة موسيقية كبيرة، دفعته إلى الذهاب إلى فرنسا ـ بعد حصوله على منحة من القنصلية الفرنسية بالقدس ـ ليكمل دراسته في هذا المجال هناك.
بعد عودته إلى الأرض المحتلة، وبعد العمل في المجال الفني، أسس «جمعية الكمنجاتي» في فلسطين «التي تُعنى بالأطفال في فلسطين وبخاصة أولئك الذين يهوون دراسة الموسيقى». في البداية، دعا عدداً من أصدقائه الذين تعرف إليهم في فرنسا، شارحاً لهم الفكرة، «فأتى قسم كبير منهم كمتطوعين لتدريب الأطفال».
الجولة الأولى كانت في العام 2003 حيث قام الجميع «بجولة شملت مخيمات اللاجئين وبعض القرى، في فترة كانت تشهد اجتياحات «إسرائيلية» من كل حدب وصوب». ومع ذلك استطاعوا أن يقدموا بعض العروض الموسيقية، ليتمكنوا من تأسيس أول معهد للموسيقى في رام الله (في البلدة القديمة)، ومن ثم انتقلت مرحلة تأسيس هذه المعاهد إلى مناطق أخرى.
بدأت فكرة تأسيس جمعية «الكمنجاتي»، لنقلْ، من «حلم طفولي»، إذ يروي أبو رضوان أنه كان يحلم بتعلم الموسيقى منذ طفولته، لكن لم يتوفر له ذلك في المخيم: لا بسبب الإمكانيات المادية ولا بسبب الإمكانيات الفنية. من هنا، «مَن كان يرغب في تعلم ذلك، كان يدرس بشكل خاص».
لذلك أحب أن يوفر لأطفال المخيمات هذه الإمكانية، وبما أن صورته كانت معروفة، حاول «الاستفادة منها، بمعنى أني أوازن بين رمي الحجر والعزف على الآلة الموسيقية» لتصبح جزءاً من النضال. «انطلاقاً من ذلك، بدأت العروض الأولى على الحواجز الإسرائيلية بين المدن الفلسطينية، حين كنّا نعزف للناس الذين كانوا ينتظرون على هذه الحواجز، كذلك أقمنا حفلا على جدار الفصل العنصري.. من هنا بدأنا باستخدام الفن كأداة من أدوات المقاومة في فلسطين».
كذلك يجد أبو رضوان أن فكرة هذا المشروع تساهم كثيراً في جعل الطفل يعبّر عن نفسه، «إذ يجد كل أطفال المخيمات صعوبة في التعبير عن أنفسهم، فتأتي الموسيقى لتخرج منهم هذه الطاقة الإيجابية».
محترف صيفي
توسعت الفكرة، ولم تبق محصورة في مكان واحد، إذ «في العام 2005 طلبت من أصدقاء موسيقيين فرنسيين أن يأتوا إلى لبنان ليعزفوا في المخيمات، وإقامة ورشات لتعليم أطفال المخيمات في لبنان». لم يكن يومها يستطيع المجيء إلى لبنان لغاية عام 2008، حيـث استطاع الدخول، وعندها استطاع إدراج البرنامج الموسيقي المنتظم في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة بالتعاون مع «بيت أطفال الصمود». الدفعة الأولى «كانت من خمسين طفلا، ما زالوا يتابعون دراستهم معنا من ست سنوات.
لكن الجديد في مشروع هذه السنة كان إحضار موسيقيين وأساتذة من فلسطين ليعملوا معنا، كذلك هناك بعض الطلاب القدامى الذين أصبحوا من المحترفين. لذلك أقمنا محترفاً صيفياً في لبنان (معاصر الشوف) للعمل مع هؤلاء الأطفال». الفكرة في اختيار معاصر الشوف «كانت لإخراج الأطفال من المكان الذي يعيشون فيه، كي يتعرفوا على مكان آخر. ابتدأ المخيم الصيفي نهار السبت الماضي. حيث يعمل الأطفال من التاسعة صباحاً ولغاية التاسعة مساءً، أي أنهم لا يعيشون سوى في الموسيقى، حيث هناك ورشات عمل وتدريبات كما ورشات غنائية وسولفيج ونظريات فنيّة. عند السابعة يتناولون العشاء، وعند الثامنة نقيم حفلا يقدمون فيه ما تعلموه طوال النهار».
كل هذه التدريبات التي تجري اليوم مع الأطفال، سيشهدها الجمهور اللبناني خلال حفل تقيمه «جمعية الكمنجاتي» يوم الخميس في 7 الحالي، الثامنة مساء في قاعة «الأسمبلي هول» في الجامعة الأميركية ببيروت، يعود ريعه للجمعية، لتعزيز برنامج التعليم الموسيقي الذي تقدمه الجمعية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ولأطفال قطاع غزة.
تضم اليوم «جمعية الكمنجاتي» التي يترأسها رمزي أبو رضوان ما يقارب الـ 500 طالب يلعبون على مختلف الآلات الموسيقية، وهم يتوزعون على عدة مناطق في فلسطين (رام الله، جنين، مخيم الأمعري، مخيم قلنديا، مخيم الجلزون)، كما في بعض مخيمات لبنان (شاتيلا وبرج البراجنة). وهناك ما يقارب 3000 طفل يتابعون برنامج «تذوَّق الموسيقى» في بعض مدارس الأونروا، ومن يظهر ميلاً فنيّاً يتمّ تحويله إلى إحدى هذه الورشات ليتلقى علومه الموسيقية. إزاء ذلك كله، تمخض عن المشروع العديد من الفرق المختلفة الاتجاهات، إذ نجد اليوم الفرق الموسيقية الشرقية، الموسيقى الفولكلورية، الموسيقى العربية في فلسطين، اوركسترا سيمفونية، فرق جاز.
طريق طويل
ربما نستطيع اختصار كل هذا المشروع بكلمة: «أحببت منذ البداية أن أشرك الأطفال في شيء أحببته. صادفني حظ أن أذهب إلى فرنسا لتعلم الموسيقى، لذلك ومنذ عودتي حاولت أن أنقل إليهم هذا الحب وهذه الرغبة. لا أنكر أن هناك من ساعدني، مثلا حين طرحت الفكرة على أصدقائي الموسيقيين استطعنا إرسال مستوعب (كونتينر) مليء بالآلات، كذلك ساهمت الدولة السويدية بترميم العديد من المنازل القديمة في فلسطين، لجعلها معاهد موسيقية للتدريس». ومع ذلك كله لا ينسى أبو رضوان الأهم: مقاومة الاحتلال، إذ برأيه أن المقاومة تتأتى من جميع الأشياء ومن بينها الموسيقى.
الحفل الذي سيقدَّم في بيروت يتضمن برنامجاً «يحاكي واقعنا اليوم. وهو يضم ثلاثة أنواع موسيقية: موسيقى كلاسيكية عربية، مقطوعات موسيقية معاصرة تتحدث عن الأسرى والعدوان والوطن وأغاني عن غزة، كما موسيقى فولكلورية فلسطينية. أما الأطفال العازفون فسيبلغ عددهم 13 عازفاً، و8 من الطلاب المتقدمين الذي سيشاركوننا في العزف مع الفرقة، أما بقية الطلاب فسيغنون 3 مقطوعات.
حفل يشكل جزءاً من المعركة الطويلة ضد الاحتلال. إذ يرى رمزي أبو رضوان «أن المعركة ليست فقط عسكرية، بل إنها تمتد لتصل إلى جميع الاتجاهات وإلى جميع الأدوات ومنها الأداة الموسيقية. على جميع أفراد المجتمع أن يشكلوا مقاومة بجميع عناصرها المختلفة». من هنا يمكن للفن أن يكون في طليعة هذه المقاومة. المقاومة التي صمدت خلال الأسابيع الماضية في غزة، لا بد من أن يرفدها أيضاً عنصر آخر. من هنا تأتي هذه الحفلة لتقول لنا إن الموسيقى يمكن لها أن تشكل رافداً مهماً من روافد هذا الطريق الطويل.