رمسيس مرزوق.. تجربة فريدة في التصوير السينمائي

الجسرة الثقافية الالكترونية
وئام يوسف
«الكاميرا جزءٌ من كياني وحياتي، ورفيقتي أينما ذهبتُ». هكذا يختصر رمسيس مرزوق علاقته بالكاميرا، الممتدّة على نحو 50 عاماً. قوامها الشغف والعطاء، فكان من الطبيعي أن تثمر نهجاً خاصاً في التصوير يبتكره عميد الصورة، لينهل منه دارسو السينما في أنحاء مصر والعالم. يستحقّ أن يكون اسمه ضمن موسوعة «100 عام سينما»، المُعدَّة في «أكاديمية الفنون» في إنكلترا كأحد أهمّ السينمائيين في العالم. أكثر ما يميّز صورته ما تفيض به من معنى وقوة والتصاق بأرض الكنانة، التي أولع بها، وأغدق عليها، فاحتضنته وأعماله ومعارضه التي كان آخرها بداية العام 2016 في قاعة «أفق» (متحف محمد محمود في القاهرة). في المعرض، صُوَرٌ من مراحل مختلفة من حياة مرزوق، وإبداعاته التشكيلية وأعماله مع مخرجين مصريين كبار.
يُصوِّر رمسيس مرزوق نحو 100 فيلم روائي مصري، وأكثر من 20 فيلماً تسجيلياً. يُخرج 10 أفلام تسجيلية، لكنه يعتبر الصورة الفوتوغرافية مضماره الأول، الذي يبدع ويعطي فيه كلّ ما يملك من إحساس وخبرة وحرفة. حول الفرق بين الصورتين السينمائية والفوتوغرافية، يقول: «الصورة الفوتوغرافية أهمّ وأصعب من الصورة السينمائية، لأنها ثابتة لا تتحرّك. تُحلَّل في وقت محدد، لذا يجب أن تكون قوية جداً. الصورة السينمائية تتضمّن حركة داخل الـ «كادر»، وفيها موسيقى وحركة كاميرا. العناصر هذه كلّها تجعل أيَّ عيب في الصورة يعبر سريعاً، خاصة أنها تمرّ في ثوانٍ، ولا مجال لتحليلها».
على الرغم من أنه يبدأ رحلته مع الصورة بصدفة تُدخله «كلية الفنون التطبيقية» («قسم تصوير» في جامعة حلوان)، إلاّ أنه يُحبّها، عملاً بنصيحة عثمان أمين، أستاذ الفلسفة في «جامعة عين شمس» (صديق والده)، الذي يقول له يوماً: «من المهم أن تُحبّ ما تعمل به». ولَعُ مرزوق بالصورة يجعلهُ يحصل على جائزة وزارة الداخلية نهايةَ خمسينيات القرن الماضي، قبل تخرّجه من الكلية، عن صورة له في مكافحة المخدرات، قوامها جوزة حشيش وجمجمة اختصر بهما رحلة المخدرات. أما معرضه الأول فيُقام أثناء دراسته التصوير في «المعهد العالي للسينما» بداية ستينيات القرن الماضي، وذلك في «متحف الفن الحديث» في القاهرة (يفتتحه وزير الثقافة حينها ثروت عكاشة). في العام 1996، يُنظِّم معرضاً آخر للصُوَر الفوتوغرافية في «متحف السينما» في باريس.
علاقة تكاملية
علاقة رمسيس مرزوق بالصورة الفوتوغرافية وتجربته معها تُمكِّنانه من الدخول إلى عالم السينما براحة وثقة أكبر، كما يقول. بعد نيله شهادة البكالوريوس من «المعهد العالي للسينما» (1963)، يبدأ رحلته مع الصورة السينمائية، المُعزَّزة بدراسة لعام واحد في «معهد السينما» في روما (1964)، حاصلاً في نهايته على شهادة الدكتوراه في السينما من جامعة «سوربون» (تخصّص إخراج، 1983). مسيرة حافلة بإبداعات سينمائية تُصبح علامات في تاريخ السينما المصرية، منها «المهاجر» (1994) و «اسكندرية كمان وكمان» (1990) ليوسف شاهين، و «الصعود إلى الهاوية» (1978) لكمال الشيخ. يعمل مع آخرين أيضاً، كصلاح أبو سيف، وحلمي رفلة، وعاطف سالم.
يؤكد مرزوق أن عمله كمُصوِّر ومدير تصوير مع السينمائيين تجربة منفردة يأخذ منها بقدر ما يُعطيها، مُعلِّلاً ذلك بأن لكل واحد منهم أسلوبه وشخصيته التي تطبع تجربته السينمائية بسماتها الخاصة، متوقّفاً عند «سنة أولى حب» (1976) الذي يُخرجه 4 مخرجين، هم: صلاح أبو سيف، وعاطف سالم، ونيازي مصطفى، وحلمي رفلة، علماً أن كمال الشيخ مُشرفٌ على العمل. مدير التصوير هو مرزوق نفسه، الذي يوحِّد الرؤية الإخراجية، إلى درجة أن المشاهد يشعر أن الفيلم صنيعة مخرج واحد.
يعتبر رمسيس مرزوق أن مدير التصوير يرتبط مع المخرج بعلاقة تكاملية. كلُّ واحد منهما يعي مساحته ودوره، ويقدِّم أقصى ما لديه بعد نقاشات وتبادل آراء. ربما لهذا تُصبح أعماله مادة تُدرَّس في جامعات العالم. ففي فرنسا مثلاً، يُقدِّم المخرج التسجيلي جان روج 5 أفلام قصيرة يُدير تصويرها مرزوق مع مخرجين مختلفين، أمام طلبة السينما في الـ «سوربون»، الذين لم يفرِّقوا بين مخرجي الأفلام. هذا دليل على تأثير مدير التصوير في هيكلية الفيلم السينمائي.
«الإرهاب في أرض الفيروز»، آخر الأفلام التسجيلية التي يُخرجها مرزوق في العام 2015. يؤكّد فيه أن المصريين منقذو العالم من التطرّف، بقوله إن «هتلر يأتي بالانتخابات، ومرسي يُقدَّم بالانتخابات. هتلر يعد شعبه بالرخاء، ومرسي أيضاً يعد شعبه بالحرية والرخاء. هتلر يجلب الخراب لألمانيا، في حين أن الشعب المصري لم يسمح لمرسي بذلك، فأوقفه عند حدِّه وتصدّى لإرهابه». الفيلم عبارة عن 8 دقائق لمشاهد صحافية تفضح الإرهاب والتطرّف، مأخوذة من الفضائيات التلفزيونية، يقوم مرزوق بمنتجتها. وهو معروض في مصر وفرنسا وأميركا وإنكلترا، موجِّهاً من خلاله دعوة إلى العالم لمواجهة الإرهاب والمتطرّفين.
عدم الرضا
على الرغم من إيمان رمسيس مرزوق بقوة السينما وتأثيرها في تكوين وجدان الشعوب، إلاّ أن حالة عدم الرضا تسيطر عليه إزاء الوضع العام في مصر، خاصة إزاء حال السينما التي، شأنها شأن القطاعات الثقافية كلّها، تقع في فخّ المتغيّرات السياسية والاقتصادية المؤدّية إلى ضبابية المشهد السينمائي: «الشعب المصري يعاني التهميش في نواحي الحياة كلّها، والتدهور يصيب أنحاء الجمهورية، بعد أن كانت دور السينما منتشرة حتى في القرى المصرية، الآن باتت محدودة، فضلاً عن رداءة نوعية العروض، وتراجع الكفاءات الفنية». يشير إلى بعض الشباب المسؤولين القادرين على حمل راية السينما والسير بها قُدُماً، خاصة أصحاب الرؤى والأفكار المختلفة والجديدة، شرط أن تقدِّم لهم الدولة الدعم اللازم، عبر توفير المناخ الملائم للإبداع، وعرض أفلامهم في الصالات، لعلّ ذلك يساهم في عودة السينما المصرية إلى المكانة التي تستحق.
يوشك رمسيس مرزوق على إصدار العدد الثاني من مجلة «كاميرا» (العدد الأول صادرٌ في تشرين الأول 2015)، ويؤكّد أن العدد الثالث في طور التحضير، إلاّ أن «لا أفق لمستقبل المجلة بعد ذلك»، كما يقول، مُعلِّلاً هذا بما تعانيه من قلة التمويل. «كاميرا» أول مجلة تختصّ بتفاصيل الصورة السينمائية وجمالياتها في الشرق الأوسط، وتشمل أنواع التصوير الضوئي كلّها، مع التركيز على أشكال الكاميرات الفوتوغرافية والسينمائية والفيديو والتصوير الرقمي. تحاكي نماذج غربية سابقة لها، كـ «كرّاسات السينما» الفرنسية، و «محرّر السينما» الأميركية. المجلة حلم يُراود مرزوق 15 عاماً، لكنها منذ صدورها لا تنال إلاّ دعماً مادياً قليلاً، يقتصر على الطباعة من قِبَل «مؤسسة طيبة»، في حين أن وزارة الثقافة لا تدعمها إلا بـ 10 آلاف جنيه مصري شهرياً، بحسب قوله. يأمل أن تلاقي المساندة اللازمة لاستمرارها، لعلّها تبقى نافذة مفتوحة لهواة ومحبي الصورة في العالم العربي.
المصدر: السفير