روائيون يكتبون التراجيديا الإنسانية على وقع قذائف الهاون

الجسرة الثقافية الالكترونية-العرب-
*حنان عقيل
ثلاث سنوات مرت على قيام الثورة السورية، شاهد فيها الشعب السوري من المآسي والأحزان ما يشعل الرأس شيبا، ولم يكن المبدعون في سوريا بمنأى عن التطورات السياسية في بلادهم، حيث كانوا جزءا أصيلا لا يتجزأ من الوجع السوري الذي لا يزال موجودا، وفي الوقت الذي آثر فيه عدد من مبدعي سوريا الانسحاب والابتعاد عن تناول ما يحدث بأقلامهم، أصرّ آخرون على أن يسطروا الأحداث ليخطوا أوجاع شعب عانى على مدار السنوات الثلاث، وما زال يعاني، من آلة القصف والتدمير والقتل.
“من رحم المعاناة يولد الإبداع” عبارة آمن بها عدد غير قليل من الأدباء السوريين، فانطلقوا يعبرون عن آلامهم وآمالهم، عن مشاعرهم ومشاعر شعب بأكمله، وفي هذا الصدد كتب العديد من الروايات والأشعار والإبداعات التي أرّخت لما حدث ويحدث في سوريا، والتي استطاعت أن تسجل الكثير من الأحداث.
توثيق الأحداث
إشكالية تناول الأحداث السياسية وقت حدوثها مطروحة بقوة في الأوساط الأدبية، وموضع اختلاف بين المبدعين، ففي الوقت الذي يصرّ فيه البعض على أن يكون جزءا من الحدث ومعبرا عنه، ومعايشا له بقلمه، يرى آخرون أن تناول الأحداث وقت حدوثها في عمل أدبي، يجعله ضعيفا وهشا وأقرب إلى نشرات الأخبار منه إلى الإبداع.
الروائي خالد خليفة من الروائيين السوريين الذين تمكنوا من تناول الأحداث في سوريا بنجاح بالغ، حيث كتب روايته “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”، التي تمكنت من حصد جائزة نجيب محفوظ للرواية 2013، كما أنها وصلت إلى القائمة القصيرة للبوكر هذا العام. وتتناول الرواية حياة إحدى الأسر السورية التي تتأثر بحالة التفكك داخل المجتمع السوري خلال ربع قرن من الزمان، ويثار من خلالها الجدل حول معاناة الشعب السوري في ظل الحكم الديكتاتوري.
ويرى خليفة أن الابتعاد عن الكتابة في الشأن السياسي أقرب إلى المستحيل، فوسط بحور الدماء التي تحيط بالسوريين من كافة الاتجاهات لا يمكن أن يقف المبدع صامتا أو أن يتجاهل كل ما يحدث لصالح الحديث عن شؤون أخرى.
الروائي السوري عبدالله مكسور هو الآخر ظل مهموما بالشأن السوري في أعماله، وتناول ما يحدث بسوريا في روايتيه “أيام في بابا عمرو”، و”عائد إلى حلب”، مؤكدا أن تناول الحالة السورية أمر طبيعي، رغم أن الكتابة عن الحدث لحظة وقوعه مغامرة كبرى، إلا أن الانحياز للإنسان ومعاناته واجب أخلاقي وأدبي.
ويؤكد مكسور أن الحديث عن انتظار اختمار الحدث، ثم الكتابة عنه، ليس ممكنا، لأن المأساة في سوريا فاقت كل الحدود، ولا يمكن أن يرى أحد الفاجعة التي تمرّ بها سوريا، ويصمت منتظرا اكتمال الأحداث ونضوجها.
ويصور مكسور في روايته الأحدث “عائد إلى حلب”، حال اللاجئين السوريين والكتائب المسلحة المحاربة، والظواهر البارزة في سوريا، حيث يقدم سيرة متخيلة مستمدة من قصص واقعية لأناس دفعوا ضريبة صمودهم، وآخرين يعانون من القصف والدمار.
باسم سليمان: معظم ما كتب أقرب إلى تصفية الحسابات
الروائية السورية سمر يزبك التي أجبرت على مغادرة سوريا هربا من بطش النظام، تعتبر من أوائل من كتبوا عن الثورة السورية وعن معاناة الشعب السوري في روايتها “تقاطع نيران”، التي ترصد فيها يوميات الثورة السورية.
ولم تكن الروائية هيفاء البيطار هي الأخرى بمنأى عن الأحداث في سوريا، حيث رصدت في كتاب “وجوه من سوريا” قصصا من الداخل السوري، بكل أطيافه، ملتقطة معاناتهم بغض النظر عن انتماءاتهم.
الكاتبة السورية مها حسن بدورها رصدت في روايتها “طبول الحب” معاناة الشعب السوري، من خلال قصة حب تجري عبر الفيسبوك، لتنتقل من خلالها إلى الثورة القائمة في سوريا وواقع الحياة هناك.
ترى حسن أن روايتها بمثابة توثيق إبداعي لما يحدث في سوريا، رغم أن الوقت كان مبكرا للكتابة عن الأحداث في بلادها، إلا أن أشخاص الرواية وجدوا طريقهم إليها، وجاءت كتابتها للرواية تحت ضغط داخلي بعد إلحاح الشخصيات عليها.
وتعتبر رواية “مدن اليمام” للروائية ابتسام تريسي من أحدث الأعمال التي تناولت الأحداث في سوريا، وترصد الكاتبة من خلالها حقيقة القمع في سوريا من خلال المقارنة بين العهد الأول في فترة الثمانينات والأخير منذ اندلاع الثورة السورية، لتوضيح العقلية الأمنية لنظام الأسد، سواء الأب أو الابن.
يتناول السوري عدنان فرزات في روايته “كان الرئيس صديقي” الأحداث الجارية في سوريا بشكل مباشر، حيث تتحدث الرواية عن ضابط أمن -بطل الرواية- يبوح بأسرار عمله، بعد أن أحيل إلى التقاعد، إثر تكليف مرؤوسيه له بمراقبة فنان كاريكاتير يرسم عن الحريات وحقوق الإنسان، فتنشأ بينهما علاقة خفية، ما تلبث أن تتحول إلى واقع يعيشه الضابط والفنان، فيصبح الأول على أثرها إنسانا مرهف الحس، ينقلب على عمله السابق، وينخرط في الثورة.
الحيلة الفنية
ولم تكن هذه الأعمال هي الوحيدة التي تناولت الشأن السوري، حيث أبدى أدباء آخرون تأثرهم بمآلات الأحداث في بلادهم، فجاءت الأحداث في سوريا على هامش كتاباتهم، ولكنها لم تكن هي الموضوع الرئيس في أعمالهم، وتأتي رواية “نازك خانم” للروائية السورية لينا هويان الحسن كمثال واضح على ذلك، حيث ترفض الحسن الكتابة عن الحدث بشكل مباشر.
في هذا الصدد تقول الحسن: “كل ما يمكن أن يكتب الآن سيتم تأويله لصالح طرف من الأطراف، وكل نصّ يصنف، سيخنق بخانة الأيديولوجيا، وأنا لا أحب أن يدرج اسمي يوما ضمن قائمة روائيين كتبوا عن شيء محدد أو حدث بعينه مهما كان هذا الشيء، أو الحدث، فأنا أرفض التشابه”.
وتستطرد: “كل ما كُتب حتى الآن عبارة عن نصوص مباشرة تشبه نشرات الأخبار اليومية، وهذا يتناقض مع منطق الأدب. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما كتبه يوما الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في “مئة عام من العزلة” عن الثورة الكولمبية ومآلاتها، دون أن يذكر ذلك بشكل مباشر. فالأدب فنّ ينقل الحدث عبر الحيلة الفنية اللازمة، لتحويل ما يحدث إلى فن”.
الروائي السوري باسم سليمان يتبنى الرأي ذاته، إذ يرى أنه من المستحيل كتابة عمل جيّد عن الأحداث وقت حدوثها، مثلما هو من المستحيل الكتابة وسط الإعصار، مؤكدا أن معظم الروايات التي تناولت الوضع السوري أقرب لروايات “تصفية الحساب”، وتعتبر “ربا أدبيا”، وإن كان بعضها قد تفرّد بمميزات فنية عالية.
أما السورية دينا نسريني صاحبة رواية “أمل”، والتي قاربت في روايتها الأحداث في مدينة حلب السورية بشكل كبير تؤكد أنها لم تقصد في روايتها اللجوء إلى “التنظير السياسي”، وإنما أرادت الحديث عن المشاعر الإنسانية بشكل أكبر، دون ادّعاء الوعي السياسي أو إصدار أحكام مباشرة، وهو ما جعل رأيها في الرواية ثابتا، رغم تغيّر وتطور الأحداث.