رواية ساخرة تشير بجرأة إلى ما نخفيه من سوء

تحمل رواية “رامبير- حفلة تنكرية”، للكاتب الفلسطيني المتوكل طه، في متنها الحكائي زخما هائلا من الحكايات الصغيرة تجعل القارئ يتوغّل في عمقها بتفاصيل يحتاجها بشدة، ليستكمل صورة واقعه المشتت والمتأرجح بين الدمار الحاصل والتدمير المتعمد لمجتمع يفترض أن يكون مدنيا مبنيا بهيكل راسخ وثابت.
والرواية هي صرخة المتوكل طه الذاتية وفي قراءتها نستطيع القول إنها صرختنا جميعا أمام الزيف وأمام الفصول التي شهدنا ونشهد عليها، في سخرية وأمل وواقع وهذيان، لهذا كله، تلخص رواية رامبير الواقع.
من جهة أخرى يجمع هذا العمل الكثير من المفاصل على صعيد التجربة والقضايا بأسلوب روائي أقرب إلى الفانتازيا والهذيان المتعمد الذي يبدأ بحفلة تنكرية تتحول إلى الواقع، ثم يبدأ السرد في فضحٍ لمعالم الحفلة وتفكيك رموزها السردية والاجتماعية والثقافية.
ويحاول الكاتب أن يمزج بين السرد والشعر، حيث هذه الإشارات الذكية التي يحاول المتوكل طه من خلالها إلقاء الضوء على الممارسات، وحتى فكرياً، لا يلجأ إلى التصريح بل إلى التلميح، وهذا يأخذ الفكرة إلى مكان أوسع.
والرواية، الصادرة عن “دار الأهلية للنشر والتوزيع”، بعمّان، هي مواجهة للزيف الذي يكون بفتح الجرح وتنظيفه، ويؤكد المؤلف أن الرواية تتحدث عن مجلس إدارة شركة في نقد اجتماعي للثقافة المستوردة والدخيلة بشكل تخريبي يستهدف ثقافتنا الأصيلة، فمواجهة الزيف تكون من خلال عوامل الثقافة والسياسة في فضاء أكثر سعة من الفصائلية، بالعمل السياسي النبيل الذي يؤمَل من خلاله الحفاظ على جميع الثوابت.
وعن المرأة في الرواية، يقول المتوكل طه “إن المرأة في الأساس هي أمنا، ثم هي زوجنا، فالنظرة يجب أن تكون أعمق وأكثر دقة ووسعا عند النظر إليها”.
ورواية “رامبير-حفلة تنكرية” مدينة متخيّلة تعكس صورة الدول والأنظمة التي تبارك الظلم وتقتات على أحلام أهلها البيضاء، كما أن في شخصياتها الخرافية صورة لكل سارق جشع، فهي مدينة لا تنطبق على جغرافيا محددة، وإن حمولة الرواية الساخرة والمركبة تشير بجرأة إلى ما نخفيه من سوء، وتسلط الضوء على ما في الواقع من ظلم وظلام بنقد مسؤول، انطلاقا من عبارة الكاتب والفيلسوف اليوناني نيكوس كازنزاكيس أن “الاعتراف بالخطيئة هو نصف التوبة”، فالحكمة تقول إن رؤية الخطأ أول الطريق إلى علاجه.
السؤال الجوهري في رامبير هو سؤال الأخلاق، السؤال حول هوية المنظومة الأخلاقية لمدينة ما، كيف يُبذَر لها شرّاً، وكيف تتطور لتصبح معضلة متأصلة في المكان، ففي السرد المكدّس بالعشرات من حكايات الشخوص الثانوية نرى بوضوح صارخ كيف تتطبع المدينة بطبع من ولّي أمرها، وكيف تنكفئ المعايير الأخلاقية حتى تصير المدينة خَسفاً، في إشارة إلى الدمار الذاتي الآتي من استشراء الفساد الذي يأكل المدينة من الداخل.
(العرب)