رواية مصرية بلسان عبري

قليلة هي الأعمال الأدبية العربية التي تعالج بعمق قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الزاخرة بالملايين من التفاصيل المُفزعة، من العنف والحرب والمفاوضات وغيرها من التفاصيل المسكوت عنها، وربما يعود ذلك إلى أن واقع الصراع أشد مرارة من قدرة الأدب على التصوير والتخيل.

وفي روايتها “على الجانب الآخر” تدلف في هذا الحقل الشائك لكنها لا تسير فيه حافية، بل أعدت قراءة واعية ومتعمقة لعقلية المجتمعين المتحاربين خاصة في إسرائيل التي تتشكل في الأساس -حسب رؤية الأديبة- بتأثيرات دينية تحكم حتى التوجهات السياسية.

تدور أحداث الرواية حول الفتاة الإسرائيلية تويفا التي تنتمي إلى أسرة مرموقة ذات خلفية عسكرية حيث يشغل والدها منصبا بارزا في الجيش فيما أمها تعتبر من سيدات المجتمع.

تدرس الفتاة في جامعة حيفا وتتخصص في الآثار، وتحاول من خلال دراستها التوصل إلى الحقائق بنفسها دون توجيهات. فهي لا تؤمن بالمحرمات التي يصنعها الساسة والحاخامات، ولكنها تصطدم أول ما تصطدم بأسرتها المحافظة.

تتعرف خلال دراستها على شابين من عرب إسرائيل وليد وعامر، ضمن مجموعة من الأصدقاء تضم أيضا إزيه وهو طالب يهودي، يكنّ في أعماقه حقدا على كل ما هو عربي خاصة عامر الذي تأكد من حب تويفا له لكنه تصنّع البراءة حتى تواتيه الفرصة للانقضاض على غريمه.

من الشخصيات أيضا تينا المولودة لأم مسيحية عربية وأب يهودي قد تعرض هو الآخر للنبذ الاجتماعي نتيجة ارتباطه بزوجته. تحاول تينا الحفاظ على مسافة من الجميع وإن كان العرق العربي يجعلها تبدو في عيون إزيه مجرد واحدة من أفراد شعب “ليست لهم وظيفة في الحياة سوى خدمة الشعب المختار”.

تتحول تويفا إلى شخصية مأزومة ومعقدة نفسيا بعد أن يقتل أبوها صديقها الفلسطيني عامر بوشاية من الصديق المشترك إزيه. وتعيش على المهدئات لفترة حتى تقرر في النهاية الانتقام لحبيبها على حساب أهلها ومجتمعها ودولتها.

وعبر أحداث الرواية ونقاشاتها الجدلية المثيرة تتطرق الأديبة إلى أشد القضايا تعقيدا في الصراع، وتتناولها بمعالجة أدبية واعية. فهي تستشهد بالكثير من الاقتباسات من الكتب السماوية الثلاثة، وتحاول من منظورها الخاص تفسير النصوص الدينية خاصة ما يتعلق بأرض الميعاد. كما تطرح الرواية إشكالية المفاوضات في ظل عقلية لا تقبل نقاشا في ثوابت وضعتها مقدما، تقضي على أي بارقة أمل في حل قريب أو بعيد، وذلك من خلال حوار ثري بين العم حسان أبي وليد وإزيه.

تستخدم مطاوع طريقة السرد بضمير المتكلم على لسان الفتاة اليهودية الإسرائيلية ربما لأن التركيز ينصب في الأساس “على الجانب الآخر”، الذي يحمل عنوان الراوية. كما تحاول إبراز جدليات الصراع وقناعات كل طرف وكيف يرى الآخر وكيف يرى الأزمة من منظوره، في محاولة صعبة للعثور على إجابة للسؤال “هل هناك أمل فعلي في التغلب على الأزمة المتعمقة في جذور النفوس حد الموت؟”.

وتقول الكاتبة إن وجود قصة حب بين فتاة يهودية وشاب فلسطيني أمر منطقي ليس فقط في سياق عملها الأدبي، لكنه حدث يتكرر بالفعل على أرض الواقع رغم اعتراضات الجانبين العربي والإسرائيلي.

فالمتطرفون الإسرائيليون يرفضون ذلك، ويهددون بالقتل المرأة التي تُقدم على الارتباط بعربي، وغالبا ما يعتبرونها “خائنة وتعمل ضد إسرائيل”. وبالمثل يعتبر الفلسطينيون الأمر خيانة للقضية وتطبيعا مع العدو. وتضرب أمثلة على ذلك مثل قصة “مورال ومحمد” و”ياسمين وأفيسار” و”عتر وأسامة”.

ومن خلال عرض شيق وأسلوب سلس في السرد تحاول الروائية إثارة أسئلة عميقة حول المعنى الصحيح للوعود الدينية “التوراتية”، وإذا كان النص التوراتي يشير إلى أبناء النبي إبراهيم فلماذا يُصِر الإسرائيليون على تفسير هذا الوعد على أنه منحة من الرب لهم وحدهم؟ وهل هذه الوعود مستمرة إلى العصر الحالي أم كانت لزمانها فقط؟ وإلى أي مدى يمكن أن يستخدم الحاخامات والساسة النصوص الدينية لإخضاع الناس لمصالحهم الذاتية، لا لأوامر الرب كما يعلنون.

تقول الكاتبة إنها أمضت ستة أشهر في تجميع المراجع ونحو سنة كاملة في الكتابة مع المراجعة المستمرة مع باحثين وكُتاب في علوم الحضارة والأديان المقارنة والأنثروبولوجيا.

ونذكر أن الرواية صدرت أخيرا عن دار الوليد ودار الكتاب العربي. وهي العمل الروائي الثالث لإنجي مطاوع بعد روايتيها “شهرنان” و”الكونتيسة والرئيس” وصدر لها أيضا كتاب في أدب الرسائل “يا أنت.. أنا” ومجموعة قصصية بعنوان “روح وجسد”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى