رواية هوى المرقاب، وذاكرة المكان

الجسرة الثقافية الاكترونية

*د. كلثم جبر

 

الكثير من الروايات في الأدب العربي والعالمي حملت أسماء الأماكن التي حدثت فيها، لتبقى تلك الأماكن في ذاكرة الأيام، ولولا أن تلك الروايات قد حملتها كعناوين لها لانمحت من ذاكرة الناس، بعد أن يعفو عليها الزمن لتصبح أثرًا بعد عين، والقائمة تطول لو أردنا ذكر تلك الروايات وما تعنيه من خلود للزمان والمكان حيث البيئة الحاضنة لأشخاصها وما عاشوه من أحداث، وتأثرهم بما حولهم من ظروف وملابسات، تميّز المبدعون في التركيز عليها وتجسيدها لتعيش طويلاً في قلوب وعقول القرّاء، وهكذا فعل الشعر قبل الرواية في تخليد الزمان والوقوف على الأطلال الدارسة بعد أن كانت أماكنًا عامرة قبل أن يطويها الزمن.

 

هذه الخواطر تواردت على ذهني بعد أن اطلعت على رواية “هوى المرقاب” لكاتبها عبدالعزيز محمد الشيخ، وهي أقرب إلى القصة الطويلة منها إلى الرواية بمعناها الفني الشامل الذي يمتد زمانًا ومكانًا ليستوعب الكثير من التفاصيل التاريخية والثقافية والفكرية المختلفة، ولربما هذا هو السبب الذي دفع كاتبها إلى عدم كتابة اسم الرواية على قصته، فهو يسميها (قصة حب واقعية) مع أن التأكيد على أنها واقعية لن يضفي عليها شيئًا من الناحية الفنية، ولو اكتفى بقوله (قصة حب) لكان ذلك أجدى له وللنص وللمتلقي الذي لا يحتاج إلى أن تفتح كل أمامه مغاليق النص الإبداعي، بل يحتاج إلى أن يشارك في صياغة النص دون تدخل من مُبدعه، من خلال المشاركة في الخيال الاستطرادي للكاتب، واكتشاف فكره وثقافته من خلال إبداعه.

 

و”المرقاب” هو حي شعبي من أحياء الدوحة القديمة، التي عاصرت عهد ما قبل النهضة، يوم كان صيد اللؤلؤ هو المهنة الرئيسية لأبناء الخليج، ومنهم أبناء قطر، وفي هذه الأجواء الشعبية التي تسود أفرادها الألفة، ويجمعهم التعاون، في ظل قيم التكاتف ورفض كل ما هو هزيل وهجين من العادات والتقاليد، في ظل هذه الأجواء عاشت أسرة محمد وظبية، لينسج القدر بين الأسرتين قصة حب اصطدمت بقوانين تلك الحقبة الزمنية وما فيها من أعراف، وهي قوانين صارمة لا ترحم، ويقول الكاتب عن قصته الطويلة “هوى المرقاب”: (قصة حب واقعية تدور أحداثها في منطقة المرقاب شرق الدوحة بداية الخمسينيات من القرن الماضي، بين محمد الفتى المُجدّ الحالم بالمستقبل الجميل، وظبية الفتاة التي تختبئ ومعها كل القيم الجميلة خلف أسوار بيت والدها ذي الشخصية المتسلطة، اللذين وقعا ضحية قوانين العادات والتقاليد وعناد الأسر.. مأساة عاشها البعض في ذلك الزمن، ورفضها البعض، ورضخ لقوانينها آخرون).

 

القصة كتبت بأسلوب قريب إلى فهم عامة القرّاء، وأحداثها مسلسلة دون تعقيد، وحوارها يتنامي مع تنامي تلك الأحداث، وبما يناسب شخصية كل واحد من أبطالها ووضعه الاجتماعي والنفسي، بقي أن نعرف أن كاتبها عبدالعزيز محمد الشيخ/ بكالوريوس آداب من جامعة قطر. تخصص لغة عربية، عمل بوزارة الإعلام والثقافة بإدارة المطبوعات والنشر، إدارة الإعلام الخارجي، وانتقل إلى وزارة الخارجية وعمل دبلوماسيًا بسفارات دولة قطر في الخارج، إيران وموريتانيا وتونس، نشرت له مقالات ومساهمات أدبيّة في الصحف المحلية والخليجية والعربية، إلى جانب نشاطاته الأدبية والثقافية والفنية، حيث شارك في أسابيع ومهرجانات وملتقيات ثقافية خليجية وعربية، وهذا هو إصداره الأول، الذي نامل أن تتبعه إصدارات جديدة أخرى في مجال السرد وغيره.

 

المصدر: الراية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى