ريسو .. فنان الانطباعية الجديدة

الجسرة الإلكترونية الثقافية
المصدر: الراية
لن نستطيع أن نجزم أن المدارس الفنية والأساليب فيما قبل مدارس الحداثة ماتت تماما بقدوم الحداثة على العكس تماما لقد كانت لها ردة فعل قوية أثرت الحركة الفنية في اوائل القرن العشرين وكان ذلك من خلال أنها بحثت عن طرق تظهر بها على نظيراتها الحديثة التي كانت في طور التكوين وكانت النتيجة أن المدارس التي أصبحت كلاسيكية مثل الانطباعية أو التأثيرية دخلت في عملية تطوير كبيرة وواسعة أفرزت جيلا من الفنانين أطلق عليه ما بعد الانطباعية أو من الأفضل أن نسميهم الانطباعيين الجدد والذي ينتمي إليهم فنانا اليوم الفنان الروماني الكبير والمبدع كاميل ريسو والذي يمثل بكل قوة هذا الجيل من الانطباعيين الجدد بحيث نستطيع أن نصنفه على أنه عاصر آخر جيل من الانطباعيين الكلاسيكيين وكان من طليعة الانطباعيين الجدد .
وعلى الرغم من أننا نستطيع أن نصنفه بسهولة بين الانطباعيين الجدد لكننا أيضا لنا بعض التحفظات على أسلوبه فلقد كان كاميل ريسو يمثل قيما فنية شرقية واضحة وملائمة للبيئة التي نشأ فيها كما أنه يستنسخ أحيانا جذوره البلقانية في صورة انطباعية جديدة.
كان كاميل ريسو يفضل الأقتراب أكثر إلى المحتوى الواقعي ويصوره بتقنية انطباعية مع الاحتفاظ بتلك الهوية الشرقية في الموضوع وبعض التقنيات وكانت له أيضا خصوصية كبيرة في تناوله للعمل التشكيلي ونستطيع أن نرصد عدة نقاط تميزه هو شخصيا كأحد الانطباعيين الجدد أولها اهتمامه بمعالجة تفاصيل الموضوع الأقرب لبؤرة العين بحيث نلحظ كل تفاصيل الشخصية او الموديل المصور بدقة كانت لا تهم كثيرا الانطباعيين الأوائل وبالرغم من ذلك ظلت خلفيات لوحاته تعبر عن ذوق انطباعي واضح وجلي .
كانت أجواء لوحات ريسو في معظمها خارجية مشمسة كما كانت عند معظم الانطباعيين وبالتالي جاء استخدامه للون الذي يعكس وضوح الشمس والمشهد الخارجي من هنا نجده يستخدم أكثر الألوان الخفيفة والتي تقترب من الصيغة الباهتة أحيانا مثل البني الفاتح والأخضر الفاتح وغيرها من الألوان التي تمثل مشاهد الطبيعة ولا يختلف ذلك كثيرا حينما يقدم لنا ريسو بورتريها أو مشهدا داخليا غير أنه يزيد من درجة كثافة اللون وحدته نوعا ما حيت يعطي الانطباع بالضوء الصناعي من حيث السطوع والخفوت .
معظم موضوعات كاميل ريسو موضعات خارجية تنصب على المشهد القروي بالتحديد وهي موضوعات كانت محببة أيضا لدى الانطباعيين مثل الحقل والحصاد وتجمعات الفلاحين والقرويين بل ونجده يميل أكثر لإعطاء هذه الصيغة البلقانية للموضوع والتي تمثل جذروه فمثلا في لوحته قداس للنساء نجد ذلك الجو الأرثوذوكسي والذي يمثله ذلك المشهد الديني الواضح مع مراعاة تلك الانطباعات الأولية التي يوحي بها الضوء الصناعي والمشهد الداخلي .
في نقاشات نقدية كثيرة قد يصنف ريسو على أنه أحد دعاة الواقعية أحيانا لأن البعض يرى أن ريسو قد ابتعد بزاوية أكبر عن الانطباعية الأم واقترب كثيرا من الواقعية لكن هذا الرأي مردود عليه لأنا نرى هذا الأسلوب هو المعتمد عند كل الانطباعيين الجدد وعلى رأسهم الفنان الباريسي الكبير جورج حنين مقارنة بلوحته الشهيرة رحلة خلوية والتي رسم فيها زوجته وهو وولده الصغير بعيد الحرب العالمية الأولى بقليل وليس هذا غريبا على كاميل ريسو أن يظهر نفس الأسلوب فلقد كان ريسو ابن الانطباعية الباريسية الحديثة لأنه عاش فترة كبيرة في باريس ودرس في أكاديمية جوليان للفنون الجميلة التي تخرج منها معظم جيله من الانطباعيين الباريسيين الجدد .
ولد كاميل ريسو في رومانيا عام 1880 في جالاتي لأب وأم من أصول بلقانية هاجروا من مقدونيا إلى رومانيا وكان والده مثقفا ودارسا للقانون وصحفيا والتحق كاميل بمدرسة الفنون الجميلة في بوخاريست منذ نعومة أظفاره وتعلم على يد أساتذة كبار مثل جورج بوبوفيتش وفي عام 1902 أنهى دراسته ورحل إلى باريس طمعا في تطوير مهارته الفنية حيث كانت باريس في هذه الفترة كعبة الفن التي يحج إليها طلبة الفن من كل أنحاء العالم وأكمل دراسته في أكاديمية جوليان مما اتاح له الانفتاح على مدارس الانطباعية الباريسية ثم عاد إلى رومانيا عام 1908 وبعد عودته بدأت تجتذبه الموضوعات العامة والشعبية وعمل في رسم الحوائط وإضافة الزخارف وتصميمها وفي عام 1914 كان اول معرض خاص له بعد أن اشترك في عدة معارض جماعية .
وفي عام 1917 وبالاشتراك مع فنانين كبار مثل نيكولا دارسكو وكورنيل ميديرا أسس كاميل ريسو مؤسسة الفن الرومانية كان مقرها لاسي ثم بدأ بالخروج إلى القرى لرسم المشاهد القرويه التي أشتهر بها وبدأ كذلك برسم البروتريه في شكله التقليدي وفي عام 1921 أصبح ريسو رئيس جمعية الفنانين الرومانية
كان ريسو إلى جانب عمله كرسام كان أستاذا متخصصا للفن بأكاديمية الفنون ببوخاريست ثم عين بعد ذلك عميدا لمعهد الفنون الجميلة وفي عام 1955 منحه الحزب الشيوعي الروماني لقب فنان الشعب ثم أصبح عضو الأكاديمية الرومانية حتى توفي عام 1962 في بوخاريست .