سعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر..  الدبلوماسية الثقافية في قطر.. منصة عالمية

تزامنًا مع احتفاء مبادرة الأعوام الثقافية بنسختها الخامسة عشرة في عام 2025، دخلت قطر فصلًا جديدًا من فصول الدبلوماسية الثقافية، من خلال أكثر برامجها طموحا حتى الآن، في شراكة مع دولتين في وقت واحد وعام واحد. هذا التطوّر الملحوظ هو المحور الذي تمركزت عليه مقالة رأي نُشرت حديثًا لسعادة السيدة لولوة الخاطر، وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي، في صحيفة عرب نيوز، بعنوان «الدبلوماسية الثقافية في قطر منصة عالمية».
تتطرّق المقالة إلى قطر وكيف أعادت تعريف التبادل الثقافي، فهو ليس تصديرًا أو استيرادًا للهوية من جانب واحد، بل هو حوار يتأسّس ويتطوّر على نحو مشترك. ويظهر ذلك جليّا في الحضور المتنامي للفن القطري المعاصر في الدول الشريكة سابقًا مثل ألمانيا وروسيا والصين، حيث يحظى الفنانون الشباب القطريون والمقيمون في قطر بالظهور العالمي ويُشكلون شبكة علاقات دولية دائمة.
واستشرافاً للمستقبل، من المزمع أن يتجاوز برنامج الأعوام الثقافية مبدأ الشراكات الثنائية السنوية ليصبح منصةً مستمرّة ومتعددة الأبعاد للتفاعل على مستوى عالمي. وتعليقا على ذلك، تقول سعادة السيدة الخاطر في مقالتها: «صحيح أن المبادرة وُلدت هنا، غير أن صداها تخطّى الحدود بكثير». ويُنظر إلى البرنامج اليوم على أنه مركز للثقافة والفكر، يُحفّز الحوار والإبداع والاحترام المتبادل في عصرٍ يشهد تحولاتٍ في السرديات العالمية.
مع احتفال مبادرة «الأعوام الثقافية» القطرية بشراكتها الخامسة عشرة عام 2025، حيث تشارك قطر مع دولتين، الأرجنتين وتشيلي، في عام واحد لأول مرة، فإن تطور البرنامج يعكس تحولاً أوسع في نظرة الدولة للثقافة كشكل من أشكال التبادل الدولي.
في البداية، كانت المبادرة ثنائية تهدف إلى تعريف العالم بدولة قطر استعداداً لكأس العالم لكرة القدم 2022، وهي أول بطولة تُقام في العالم العربي، ثم تطورت لتصبح ركيزة أساسية في الدبلوماسية الثقافية القطرية. واليوم، تُجسد المبادرة منظوراً عالمياً يربط الثقافات، ويعزز العلاقات طويلة الأمد، ويحفز الحوار بين مختلف التخصصات.
ما بدأ كوسيلة للترحيب بالعالم في أول كأس عالم في المنطقة العربية، تطور إلى إطار عمل ديناميكي للتعاون الدولي. من فن الشارع في ساو باولو إلى ورش عمل الأفلام في طنجة، ومن حفلات أوركسترا قطر الفيلهارمونية إلى المنشآت الفنية العامة الدائمة، حيث يُظهر البرنامج كيف يُمكن للثقافة أن تبني روابط دائمة. تشمل هذه الأنشطة الفن العام، والمشاركة في المنتديات الاقتصادية والمعارض التجارية الرئيسية في قطر، ومبادرات التنمية الاجتماعية.
أقيم معرض «على الطريق» الشهير، الذي تم تنظيمه لأول مرة خلال العام الثقافي قطر-الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا 2022، أقيم لاحقًا في الصين، الشريك التاريخي للعام الثقافي قطر- الصين 2016. وبالمثل، شاركت الفنانة المغربية المقيمة في باريس، سارة أوحدّو، التي تعاونت لأول مرة مع قطر ضمن معرض «عالمنا يحترق» في قصر طوكيو بباريس ضمن العام الثقافي قطر-فرنسا 2020، كما شاركت لاحقًا في برنامج الإقامة الفنية «قطر / المغرب: صياغة مستقبل التصميم» ضمن العام الثقافي قطر-المغرب 2024.
انبثقت أيضًا العديد من المبادرات الوطنية الكبرى من العلاقات التي أُقيمت خلال السنوات الثقافية السابقة. فقد أعلنت قطر وفرنسا مؤخرًا عن مذكرة تفاهم شاملة تبني على الأسس التي أُرسيت خلال منتدى قطر-فرنسا 2020. تُركز هذه الاتفاقية واسعة النطاق على بناء القدرات، والمعارض التعاونية، والتدريب المهني، والبحوث المشتركة، والرقمنة، مما يُظهر الأثر المُستدام للتبادل الثقافي.
* يتميز نهج قطر بدمجه الدبلوماسية الرسمية مع المشاركة الشعبية. وتتجاوز الدبلوماسية الثقافية في قطر المؤسسات الرسمية. فبينما تلعب السفارات ووزارات الثقافة أدوارًا رئيسية، تأتي المساهمات أيضًا من الطهاة وعلماء الآثار والاقتصاديين والمتطوعين والطلاب. يشمل البرنامج معارض متحفية رفيعة المستوى – مثل معرض «لاتينو أمريكانو» لهذا العام، الذي شارك في تنظيمه متحف الفن اللاتيني الأمريكي في بوينس آيرس، ومتحف الفنون اللاتينية في بوينس آيرس، ومتاحف قطر – بالإضافة إلى ورش عمل مجتمعية، وتبادلات مكتبية، ومعارض تجارية، ومبادرات قائمة على التنمية الاجتماعية.
* ويتعزز الأثر التحويلي للمبادرة بفضل هيكلها اللامركزي والتعاوني حيث يُطوَّر كل عام ثقافي بالتعاون مع الدولة الشريكة، مما يُشجِّع على المساهمة المتبادلة والأصالة الثقافية. ومع مرور الوقت، أثمر ذلك عن شبكة علاقات متينة يعتمد عليها المنظمون الآن لإنشاء برامج متعددة البلدان. ​
تُناسب هذه المبادرة عالم اليوم المترابط، وجيلًا من الشباب القادمين من خلفيات ثقافية متعددة، والذين يسافرون بحرية أكبر من أي وقت مضى، ويغتنمون فرص الاستكشاف والتبادل الثقافي.
كما سمح تعدد الأعوام الثقافية للمبادرة بالتعمق في مواضيعها. واليوم، تُستكشف مواضيع مثل سرد القصص البيئية، ومشاركة الشباب، ومستقبل التصميم من خلال برامج الإقامة المشتركة، والندوات الأكاديمية، ومعارض المتاحف.
* ومع ذلك، تظل رؤية قطر الأوسع للمشاركة العالمية محورية. ففي إطار صياغتها لهويتها بعد كأس العالم، اعتمدت قطر الدبلوماسية الثقافية تعبيرًا حيويًا عن دورها الدولي، المتجذر في الحوار والتبادل الفكري. بالنسبة للمشاركين، وخاصةً المبدعين من دول الجنوب، تُقدم الأعوام الثقافية منصةً نادرةً للظهور، وتوفير الموارد، والتعلم المتبادل.
لا يتعلق الأمر بتصدير الثقافة القطرية أو استيرادها، بل بإعادة صياغة كيفية انتقال الثقافة – بتعاون واحترام ودون تسلسل هرمي. ويتجلى هذا التوجه في معارض الفن القطري المعاصر التي تُقام في دول كانت شريكة لقطر سابقًا، مثل ألمانيا والصين وروسيا، لعرض أعمال الفنانين القطريين الشباب.
بعد أن كانت قطر لاعبًا صاعدًا في المشهد الثقافي العالمي، أصبحت ترسخ مكانتها الآن كمركز للأفكار والأشخاص ووجهات النظر والإمكانات. في السنوات القادمة، قد تتحول الأعوام الثقافية من نموذج الشراكات السنوية إلى حوارات عالمية متواصلة ومتقاطعة، انطلقت من الدوحة لكن صداها يتردد أبعد من ذلك بكثير.

وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي

** المصدر: جريدة”الشرق”

* عن صحيفة عرب نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى