سلام عمر .. فنان مكتشف يلهمه الكرافك

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

عقيل الجابري

 

 

أقام الفنان سلام عمر في العاصمة اللبنانية بيروت معرضه الشخصي بعنون «المفقود» الذي على قاعة كاليري (أجيال) من 7 لغاية 18 أكتوبر/تشرين الأول.

 

احتوى المعرض على ثمانية أعمال فقط، وقد اشتغل على فكرة القناص القاتل، وحاول رصد العلاقة بين القنّاص والمفقود. لذلك تشاهد عندما تدخل المعرض عملا يشير الى القناص ومكانه في “عمارة بركات” وسط بيروت، وكيف اختار القناص مكانه.

 

من هنا تطلق رصاصات مجهولة ليكون الانسان هدفا للموت المجاني وهي نتيجة حتمية للحروب الأهلية التي يكون هدفها الوطن والانسان. فكانت الابنية شواهد مؤلمة لمدينة اتسمت بالجمال فكانت في سالف عهدها (قبل الحرب الاهلية) ملاذا للراحة والمتعة والاستجمام، لتصبح فيما بعد أبنيتها الجميلة منخورة بالرصاص المجنون خاوية على عروشها.

 

وفي هذا المعرض تعد بيروت محورا موضوعيا ومصدر ألهام. يولي الفنان هنا عناية فائقة للإدراك البصري في بعده التقني والجمالي، وبالرغم من تعدد الاتجاهات لدى الفنان باعتباره فنانا كرافيكيا أولا، يعتمد على أسلوب تداخل الاسطح التي يجيد اللعب عليها.

 

يقول عمر “خلال دراستي لفن الطباعة في السبعينيات، هذا الفن منحني فرصة اكتشاف وتركيب السطوح. ولكن بعد مرور فترة زمنية طويلة بدأت أنتج أعمالي الطباعية الكرافيكية أو الرسم المباشر. وكلها كانت تعتمد على سمات الكرافك في الرسم، حفر وإضافة وشفافية في اللون وتكرار أكثر من سطح في العمل. وأثناء تنفيذ هذه التجربة بدأت تتطور لديّ روح المغامرة والاكتشاف”.

 

ولدى الفنان رؤية بصرية نافذة تعد أداة نقدية تحسب له فهو يطور أساليبه بسرعة مذهلة تمكنه من اقتحام تجارب تتجاوز تجارب المنطقة فلا يكاد معرض من معارضه يشابه الآخر.

 

تشترك في مشروعه التشكيلي عوامل عديدة. لذلك اعتمدت أعماله على إخراج المادة التشكيلية كخامة غير متداولة ومتوائمة مع حضارته الطينية في الكثير من الاستعارات، فكانت ألوان الطين أقرب الى حس الفنان وإلى المجال الحسي البصري الذي عمل عليه بتقنيات عالية، بغية إظهار ترنيمة الجمال وتأكيدها في مربعات مختلفة الابعاد، ومختلفة الأشكال بخصوصية لونية معاصرة ذات لون واحد أو تدرجاته، تتخطى حدود الزمان والمكان، لتعود بالصورة (اللوحة) الى ذاكرة وطن لتزين جدارنه لتكون لوحاته أكثر انتماء من الطبيعة المرسومة لأنها ترتبط بروح ذاكرة الانسان وما فيها من شجن وذكريات مرة هذا الانسان الذي يشغل هذا الحيز من الارض.

 

يقول سلام عمر: “اشتغلت على الصورة نفسها من خلال الفوتوشوب وحولتها إلى طباعة يدوية على الشاشة الحريرية، وفككت الصورة إلى مستويات عدة، وأصبحت مجسمة بثلاثة أبعاد. ثم كسرت السطح الأول، بطرق مختلفة، منها تكسير هندسي، ومنها تكسير عشوائي انفعالي. وبعدها حاولت أن أصنع أبعاداً مختلفة من الصورة حتى تقترب من الفن التجريدي. برغم القفزة الهائلة في تكنلوجيا الطباعة ما زالت الطباعة الحريرية اليدوية تستخدم إلى اليوم, ومازال الكثير من أصحاب الأعمال والتجار والفنانون ينجزون العديد من أعمالهم لما يميز العمل الفني كونه يقرب أثر السمة الاسلوبية القريبة من روح الفنان وتجلياته يعد هذ النوع أقرب الى المهن اليدوية القديمة مثل الخزف وصناعة النسيج بواسطة الوان محددة أضفت الجمال لفن محدود التداول”.

 

هنا في هذا المعرض تدخل مهنة لها غرض آخر لكنها تلبي آليات تنفيذ فكرة معينة، فبصرف النظر عن الجودة الطباعية اليدوية التي لا مجال للمقارنة فيها بين الطباعة الالكترونية الحديثة والطباعة الحريرية, ومحدودية الألوان وفرزها لدى هذه الأخيرة – إلا أن من مميزاتها بأنه بالإمكان توظيفها فنياً بذكاء معهود للفنان سلام عمر في الحصول على لوحات متفردة في هذا الجانب.

 

لقد استخدم الفنان تقنية جديدة لتحقيق البعد الثالث من خلال خلق سطحين مزدوجين للوحة تعتمد على المزج بين السطحين بصرياً فيما بينها فراغ. لهذا تتدافع الاسطح لتشكل البناء الهرمي، متماسك التفاعل مع العناصر الفاعلة في منجزه وهنا لا يصنع هذا الفنان مفرداته على سطح اللوحة بناء على الحاجة لمجارات المنتج الفني السائد, وهو ما يصر عليه وهذا هو التحدي.

 

فكان سلام عمر مكتشفا أكثر منه فنان، إنه فنان متجدد بحق.

 

في لوحاته تتلمس وتقرأ اجتهادا لتحقيق الدهشة للمتلقي سواء أكان محترفا أو متذوقا للفن، الاختراع عند سلام عمر سمة للعمل. إنه فنان يوظف خيالات جريئة ومذهلة وتستوعب حركة التاريخ الفني, هذا المعرض موثق لظلم الإنسان لنفسة وللآخرين، مدن تدمر بأيدي أبنائها! بل تظهر تلك الوحدات استجابة لحاجة داخلية تمليها رغبة الفنان في خلق فضاء تعبيري أخاذ معتمد على عنصر المفاجئة والدهشة.

 

تندمج بين الصورة الفوتوغرافية وفن الكرافك والطباعة كمهنة ومزاوجة لرسم المحترف لينبعث الجمال فجأة أمامنا باعتباره صنيعة ذاتيه منطلقة من بيئة ومجتمع غني بالمخزون الصوري الاصيل لذا فهذه الاعمال الثمانية أكثر مصداقية من التجريد المطلق.

 

يذكر أن سلام عمر من مواليد 1960 حصل على دبلوم كرافك فنون جميلة بغداد 1982. عضو جمعية الفنانين العراقين وعضو نقابة الفنانين العراقيين.

 

 

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى