“سلفي” .. للكاتب حسين نشوان

الجسرة الثقافية الإلكترونية –خاص-
لم يكن أحد حتى لو صادف ولقي مصباح علاء الدين أن يتخيل التطورات التي يمكن أن توفرها تكنولوجيا الاتصال، التي تتسارع بوتيرة لا تتيح للمتابع استيعابها أحيانا، ولكنها بالنسبة للمسكونين بفضول التغيير والتجديد والاستعراض قدمت الكثير.
التطورات والتحديثات التي تتم في مجال الاتصالات في كثير منها لم يعد يحقق الوظيفة العملية، بل يذهب إلى إشباع النزعات في الجديد والمدهش عند البشر، وهي بالمناسبة لا يمكن التقليل من شأنها حتى في الجوانب التي تتصل بالرفاه، لأنها بالمحصلة تكشف عن منطقة غامضة في الحياة.
في السابق كان الناس يلجأون للتكنولوجيا لخدمة أعمالهم ولتلبية حاجات الراحة والمتعة في الحياة، ولكنهم اليوم أمسوا “عبيداً” لها، ويرى كثير من من الخبراء أن التطور في شبكات التواصل الاجتماعي والنت والهواتف الجوالة، ومنها آخر تطبيقات “سلفي” لم يوسع رقعة العالم بمقدار ما أدخل الوهم للذات بالتضخم الذي يوازي الكون، وأن أكثر المستخدمين لتلك الأجهزة هم الأكثر وحدة وعزلة، بل أن لمثل هذه الأجهزة أعراضا جانبية تؤدي للإدمان، والهوس، وحتى الموت.
دارسون في علم الاجتماع والنفس وبعض الفلاسفة ومنهم فوكو التفتوا إلى الظاهرة في كتاباتهم وأكدوا أن إدمان المتعاملين مع مثل هذه الأجهزة يؤدي إلى انقطاع الفرد عن المحيط والآخر، لتغدو الآلة “الأداة” تجسيداً وهمياً لنشوة الاتصال التي تتم في “الحجرات المغلقة”، وأن الشركات الصانعة تعي تلك التأثيرات فاخترعت ما يمكن أن يلبي عند مستعمليه “اللعب مع الذات” والاكتفاء بالاتصال مع النفس في تطبيقات “سلفي” الذي يعني “الأنا” ليس بمفهوم عالم النفس سيجمود فرويد، أو النرجسية الأسطورية، بل في تحويل الإنسان إلى خلية وحيدة الجنس، كالبيضة التي تنتج الصور دون أن يستطيع الشخص معرفة من أنتج من،”البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة”، وفي تطبيق “سلفي” أعاد الاختراع حالة من البله البدائي لصورة الإنسان “بنرجسية” التماري –من المرآة-مع الذات التي لا ترى سواها، ولمزيد من الفتنة واللذة الذاتية التي يحققها التطبيق فقد تم اختراع جهاز طائر “يحلق بمروحية تشبه طائرة الهيلوكبتر” يمكنه متابعة الفرد حيثما كان وتصويره دون مساعدة أحد، بمعنى التخلي عن الآخر حتى لمجرد المساعدة أو التواصل لمجرد التقاط الصورة، ولم يعد الراغبون في ذلك التطبيق يحتاجون لرفقة البشر/ الآخر، فالجهاز يلحق بهم مثل النحلة أو الفراشة ويلاعبهم بالصور ، ويمكن أن يعبر الفرد عن شكره للجهاز بتقبيله واحتضانه، بالقول: “سلفي .. سلفي”
عشرات التطبيقات التي تحتويها الأجهزة التي سعت لتسهيل سبل الحياة، وتحقيق التواصل، تركت في أعماق العديد من الأشخاص بأنهم يمثلون مركز الكون، أو أن الكون يتمركز حولهم، وهو رد فعل على سيطرة التكنولوجيا التي حولت الإنسان إلى مجرد رقم في هذا الركام من التطور التكنولوجي، وخصوصاً في ظل اتساع مفهوم العولمة الذي مسح الخصوصيات الجمعية والفردية، وحولها إلى “إيقونات” ومن غير أن ندري زادت الإنسان عزلة على عزلة، ومن يدري، ربما بعد أجيال يتم اختراع أجهزة تنوب عن الأفراد في في التفكير وإدارة الشؤون الخاصة والعمل، والعلاقات الاجتماعية، لنخلد للنوم والراحة، وتصدق نظرية موت الإنسان التي تفرعت عن موت المؤلف والأدب التي بشر بها رولان بارت، وموت التاريخ والدول والشعب والإنسان التي نظر حولها فوكوياما، ولِمَ العجب؟!
فكل شئ حولنا يؤول للموت،
والاكتفاء بالذات موت.