سهر سيد دسوقي ترصد الأجور والأسعار في العصر الفاطمي

شهدت مصر منذ دخول الفاطميين إليها العديد من الأزمات الطاحنة، والتي تعددت أسبابها ما بين أسباب طبيعية مثل فيضان النيل، وما بين أسباب غير طبيعية كانت تنتج في بعض الأحيان من ضعف السلطة المركزية.
وقد أثرت هذه الأزمات بشكل كبير على الأسعار خاصة أسعار السلع الغذائية التي كان الإنسان في احتياج لها يومياً لسد حاجته من الطعام. في حين أن الطبقة الحاكمة ورجالها عاشوا في ترف وبذخ دائم ولم تكن تتأثر بتلك الأزمات الاقتصادية إلا في القليل النادر.
وجاء هذا الكتاب “حكاية الأجور والأسعار في العصر الفاطمي” لرصد الأجور والأسعار في مصر في تلك الحقبة الزمنية التي امتدت نحو قرنين من الزمان (358- 567هـ / 968- 1171). عاش خلالهما المجتمع المصري فترات ما بين الرخاء والقحط.
في البداية تذكر الباحثة سهر سيد دسوقي: كان للعوامل أثر بالغ في حدوث أزمات اقتصادية في مصر، ويرجع ذلك إلى تذبذب كميات المياه في نهر النيل، مما أدى إلى وقوع تلك الأزمات في مصر، وكانت المجاعات أولى الآثار السلبية المترتبة في كثير من الأحيان على فيضان النيل، وكانت أولى المجاعات التي شهدتها مصر في عهد الفاطميين التي قصر فيها النيل ثماني عشر ذراعاً كانت مائة وإحدى سنة وكان آخرها عام 372هـ، وعلى الرغم من أن النيل في عام 358هـ قد وصل إلى حد الكفاية إلا أن الأزمة الاقتصادية ظلت قائمة حتى بعد دخول الفاطميين، ولم تنته تلك الضائقة حتى حل عام 361هـ.
وتضيف الباحثة: وكانت خاتمة سلسلة المجاعات التي شهدها عهد الحاكم بأمر الله سنة 410هـ- 1019، ففيها جاءت زيادة النيل تسع عشرة ذراعاً وثمانية أصابع، وهو حد يقارب إلى الاستبحار وغرق الأراضي، وعانت البلاد من ارتفاع الأسعار ومات كثير من الناس بسبب الجوع.
وعن النظام النقدي المتداول في الدولة الفاطمية، تذكر الباحثة: كانت القاعدة النقدية في عهد الفاطميين وهي نظام المعدنين، أي أنها جمعت بين معدني الذهب والفضة فأصبحت لها عملتان تصلحان لإبراز الذمة، ويمكن استبدال إحداهما بالأخرى بنسبة تحددها السلطة. ولم يقتصر التعامل المالي في أسواق مصر على العملة الفاطمية فحسب، بل كانت تتداول في الأسواق عملات أخرى.
أما عن باقي العملات المستخدمة فمنها: عرفت الأسواق المصرية “الدينار الراضي” و”الدرهم الرباعي”. وأيضاً عرفت “الدينار الصوري” كما تداول “الدينار القراضة”.
وتذكر الباحثة: أن الموارد المالية من أهم الركائز التي تقوم عليها الدول، ومن ثم فقد زادت عناية الدولة بها وعملت على تنوعها والإكثار منها. وقد قسم القلقشندي تلك الموارد إلى قسمين: موارد شرعية وموارد غير شرعية.
أولاً: الموارد الشرعية: وتنقسم تلك الموارد إلى الخراج والزكاة والجزية والمواريث الحشرية والمستغلات.
ثانياً: الموارد غير الشرعية: وتنقسم إلى المكوس والمصادرات.
وتشير الباحثة إلى الأجور في العصر الفاطمي، فتذكر: عرفت المجتمعات خلال العصور الإسلامية النظام الطبقي، ففي كتاب الله عز وجل قال تعالى: “والله فضل بعضكم على بعض في الرزق”، وقوله أيضاً: “أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون”. وكان ذلك التدرج الهرمي موجودا في مصر الإسلامية ولم يتغير في العصر الفاطمي.
وكانت وظيفة الوزير على قمة التدرج الهرمي وكانت الوزارة في عهد الدولة الفاطمية أحياناً لأرباب السيوف وتارة أخرى لأرباب الأقلام. وأول من خوطب في عهد الدولة الفاطمية بالوزارة هو يعقوب بن كلس، وأول وزرائهم من عظماء أرباب السيوف بدر الجمال، وآخر الوزراء هو صلاح الدين الأيوبي، ومنها انفرد بالحكم وأنشأ الدولة الأيوبية.
أما عن مقررات الوزير، فكان صاحب أكبر راتب بين موظفي الدولة ويشتمل على جزء نقدي وجزء آخر عيني وهو ما يصرف له برسم مطابخه من لحوم وحبوب وفاكهة، وما يقرر له ولأولاده وجهاته من كسوات الأعياد والمواسم، بخلاف الإقطاعات التي يحصل عليها من الخليفة.
وثانياً: ما يصرف لأرباب الأقلام وهم ينقسمون إلى قسمين، قسم يشتمل على من يتولى الوظائف الدينية ويطلق عليه “أرباب العمائم”، وقسم منهم ممن يتولى الوظائف الديوانية.
أولاً: أرباب العمائم: كان أول من لقب بـ “قاضي القضاة في الدولة الفاطمية” هو علي بن النعمان بن حيون، في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي سنة 366هـ – 979، أول من كتب في سجله هذا اللقب كان ابنه الحسين بن علي بن النعمان. ولقد اختلف المؤرخون في ذكرهم لراتب قاضي القضاة، فيذكر كل من ابن الطوير والمقريزي والقلقشندي أنه كان مائة دينار في الشهر، ويبدو أن مرتب قاضي القضاة لم يكن ثابتاً إذ يتغير بمرور الوقت.
كان الفاطميون يدركون أهمية القمح وأثره في استقرار الحياة السياسية. كانت زراعته تشغل الجزء الأكبر من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة الشتوية لأنه بمثابة الغذاء الرئيسي، وكان نقصه يسبب حرجاً للفاطميين، لذلك كانوا يبذلون قصارى جهدهم لوقف الأزمات التي تؤثر على وجود القمح ومشتقاته.
وتضيف الباحثة: تعددت أنواع الخبز في العصر الفاطمي، وقد ذكرت هذه الأنواع في المصادر ووثائق الجنيزة ما بين الخبز السميذ، والخبز الجشكار، والخبز الأسود، والخبز المبلول، وخبز الحواري، وخبز الأفران، والخبز السوقي. والخبز الجشكار هو أقل أنواع الخبز ثمناً بسبب سواد لونه لأنه كان يصنع من الدقيق غير المنخول وكان يتوافر وقت الأزمات.
واهتم المصريون بالثروة الحيوانية التي لديهم، وكان السبب وراء ذلك أن مصر في المقام الأول دولة زراعية، مما جعل الفلاحين يهتمون بتربية ماشيتهم. ولما كانت الثروة الحيوانية مهمة للمصريين فقد دفع ذلك الخليفة الظاهر ولإعزاز الله بالمحافظة عليها خلال الأزمة الاقتصادية التي حلت بمصر في سنتي 414 – 415هـ، لذلك منع الناس من ذبح الأبقار السليمة من العيوب والتي تصلح للحرث.
أما عن الدواجن، فقد اهتم المصريون بتربية الدجاج، وكانت هناك حضانات خاصة بإنتاج الفراريج انتشرت في أنحاء البلاد، وكانت الحضانة الواحدة تنتج في المرة الواحدة ما بين عشر وعشرين ألف دجاجة. وكان سعر الدجاج يختلف بحسب اختلاف أحواله. وكان هناك سوق خاصة بالدجاج تدعى “سوق الدجاجين”، فكان به الكثير من الدجاج والأوز والسمان.
وفي الختام تذكر الباحثة: لقد عانت مصر تحت حكام الفاطميين من الأزمات الاقتصادية، وذلك أن الحياة الاقتصادية في مصر في العصر الفاطمي خضعت لعاملين أثرا عليها بالسلب مثلها مثل عهد الإخشيديين.
وقد ارتبطت الحياة الاقتصادية بالنظام المالي فكانت العلاقة بين النظام النقدي والموازنة العامة للدولة علاقة وثيقة وطريدة. ولقد كان للأزمات الاقتصادية المتعددة التي تعرضت لها مصر في عهد الدولة الفاطمية، أن لعبت دوراً كبيراً في مصير العديد من السلع خاصة القمح والخبز، مما كان يؤثر بالسلب على باقي السلع سواء الغذائية وغير الغذائية.
يذكر أن كتاب “حكاية الأجور والأسعار في العصر الفاطمي” للكاتبة سهر سيد دسوقي، صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ويقع في نحو 488 صفحة من القطع المتوسط