سوق عكاظ افتراضية في فيسبوك

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

موقع فيسبوك ليس فضاء افتراضيا للتواصل وحسب وإنما حظيت الفنون الإبداعية الكثيرة بفرصة كبيرة لتتواجد بقوة على صفحات هذه الموقع، وأصبح للشعراء بالتحديد مجتمع افتراضي يلتقون فيه، ينشرون قصائدهم ويقرأون قصائد الشعراء الآخرين، ويتبادلون الإعجابات والتعليقات، وأنواعا من المجاملات التي تتخذ أحيانا شكل النقد المجامل والسريع والانطباعي.

 

وهكذا يمكننا القول إن الفيسبوك قد ساعد في ظهور مجتمع شعراء الفيسبوك إن صحت التسمية، وأصبح للشعر حضور وكثافة لافتة، ولم تعد مسألة النشر والتلقي بحاجة إلى صحف ومجلات ومنابر ثقافية، أصبح النشر سهلا بكبسة زر وأصبح التلقي سريعا وفي ذات اللحظة وبكبسة زر أيضا.

 

وأفرزت هذه الطريقة في نشر الشعر شكلا من النقد أيضا يعتمد على وضع إعجاب وتعليق سريع، وكأننا أمام نسخة جديدة من النقد الشعري تمتاز بسرعتها في التلقي والاستجابة والتفاعل اللحظي.

 

مجتمع الشعراء على موقع فيسبوك ظاهرة ثقافية افتراضية لا يمكن تجاهلها أو حتى التقليل من أهميتها وقيمتها، فالقارىء يستأنس بها ويتابعها، ويتلهف إلى قراءة تلك النصوص الشعرية القصيرة، وينتظرها لأنه يجد فيها ضالته النفسية، فهي وجبة شعرية سريعة ومستساغة، يتلقفها مثل وجبة سناك.

 

ظهور شعراء الفيسبوك مؤشر ومعيار على رغبة الشعراء أنفسهم والقراء أيضا في مواكبة التطور الهائل الذي يشهده العالم في التقنيات التكنولوجية، وقد اعتبر كثير من الشعراء طريقة نشرهم الشعر على فيسبوك خطوة لن تفضي أو تتطور إلى شكل آخر من النشر، وقالوا إن ما ينشر من شعر على فيسبوك سيظل على الموقع.

 

فيما اعتبر آخرون أن النشر على فيسبوك هو خطوة تمهيدية لنشر الدواوين الورقية، وجمع ما تم بثه على الانترنت في كتاب مطبوع، لكن الشعراء الشباب الذين ولدوا في عصر الانترنت لا يرون في النشر الورقي تقليدا لعصر ولى، وأن القصائد التي تتم كتابتها لمتلق افتراضي حري بها أن تبقى معلقة كالضوء في الفضاء ولا ترتمي أحبارا سوداء على الورق.

 

فالشعراء الذين خبروا في حياتهم الأدبية قبل الانترنت القراءات التقليدية، تأثروا أيضا بالتلقي الافتراضي لنصوصهم فقد انبهروا بانعدام المسافة الزمنية بين زمن كتابتهم النص وبين زمن نشره وزمن تلقيه وقراءته، وبهروا أيضا بسرعة تفاعل المتلقي وردة فعله المباشرة والسريعة على النص حتى لو كان أغلبها إعجابا وتعليقا فيه الكثير من الاستحسان والقبول الذي يحمل روح المجاملة.

 

القارىء في مجتمع شعراء الفيسبوك حاضر كطرف قوي في العملية الإبداعية، وعلاقته مع الشاعر علاقة تواصل دائم، وكثير من الشعراء يحصون يوميا عدد الإعجابات التي يحصلون عليها جراء نشرهم نصا شعريا، ويتعدى الأمر إلى أكثر من هذا فهم يتنافسون فيما بينهم على حصد أكبر عدد من الإعجابات والتعليقات.

 

وأصبح الإعجاب في مجتمع الشعراء الفيسبوكيين مؤشرا كبيرا على سرعة العلاقة بين الشاعر والقارىء، وأخذ هذا الخيار شكل النقد للقصيدة، لا يعني فقط مرور القارىء أو قبوله للنص وإنما اعتبره البعض معيارا صادقا لثقة القارىء المسؤول عن وضع هذا الإعجاب.

 

وهذه الظاهرة الثقافية جعلت الشعراء على صلة وثيقة بالقارىء فهم حريصون كل الحرص على الاقتراب اليومي منه وتقديم ما يرغب في قراءته لاعتقادهم في ما يبدو أن اكتمال الشعرية في نصوصهم الإبداعية رهين بمدى تجاوب القراء مع النص القصيدة وهذا ما يلاحظه الشعراء فور نشرهم النص الشعري.

 

كما أن الاقتباسات الكثيرة التي يتداولها القراء والمعجبون على صفحاتهم ويقتطعونها من صفحات الشعراء دليل على العلاقة الحميمية التي نشأت في هذا المجتمع وعلى أن الشعر الذي يتم تداوله في مقطوعات قصيرة على النت أصبح هو الشكل الشعري الأكثر انتشارا وتلقيا وقبولا لدى القارىء في هذا العصر.

 

وتحاط هذه الظاهرة بانتقادات يمكن إجمالها بأن الفوضى في النشر والكم الهائل من المنشورات الشعرية اليومية أفرز أنصاف وأشباه شعراء، وصار الشعر سوقا لكل من امتلك حاسوبا وحسابا على فيسبوك، واختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين، وهذه انتقادات ليست بعيدة عن الحقيقة لكن الواقع يقول عكس هذا، فليطلق كل شاعر نصوصه كما يشاء فهذه شبكة واسعة وتستوعب مليارات القصائد والأشعار وليبق القول الفصل للقارىء الشريك الآخر المهم في أية عملية إبداعية سواء كانت على الورق أو على الانترنت.

 

على فضاء الفيسبوك انتشرت الكثير من الأسواق الشعرية، وصار سهلا البحث عن اسم أي شاعر وقراءة نصوصه في أي مكان في العالم، وأصبح الكثير من الشعراء يمتلكون صفحات شعرية خاصة يجتمع فيها آلاف القراء يتفاعلون ويتأثرون ويقتبسون من الأشعار الفيسبوكية القصيرة.

 

فهذا الموقع بحد ذاته أصبح قاعدة جماهيرية كبرى وأصبح الشاعر الذي يستعمل صفحاته لنشر قصائده مشهورا ومقروءا، فانتشار هذه القصائد وشعراؤها بسرعة اعتراف شعبي بالشعر وأهميته كمنبر للتعبير عن هموم الشارع ووسيلة لنزول الشعر من برجه العالي الذي كان قبل انتشار الانترنت إلى حيث يوجد القارىء العادي والبسيط الذي يجد في هذا الشعروجها حقيقيا لمعاناته ورغباته وآماله وأحلامه.

 

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى