سيرة الأمكنة تحرس ذاكرتها من الضياع

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

يستكمل الدكتور سميح مسعود سيرة مدينة حيفا في الجزء الثاني من كتابه “حيفا.. برقة، البحث عن الجذور الصار حديثا، وكان الجزء الأول من الكتاب قد صدر عام 2013 تحت نفس العنوان وتناول فيه سيرة حياة قريته برقة ضمن سرده لسيرة حياته.

 

وقد وثق الكاتب في الجزء الأول من الكتاب مفردات لغوية من الريف الفلسطيني لأدوات تقليدية ووجبات شعبية وأدوات متنوعة تشكل في مجموعها قاموساً صغيراً للريف الفلسطيني في زمن الثورة والانتداب، ووثق أيضا لمدينة حيفا بتفاصيل دقيقة عنيت ليس فقط بالمكان وإنما تناولت كل ما هو موجود في الحياة الاجتماعية والفنية فلم يترك فرقة موسيقية أو فيلما كان يعرض أو مكانا كان يذهب إليه سكان أهل المدينة إلا وذكره في كتابه.

 

كما تعرض إلى الأحداث السياسية في تلك المرحلة فذكر قرار التقسيم في عام 1947، وروى أحداثا دقيقة ومفصّلة عن تداعياتها وعن الفوضى التي حدثت بعد انهيار المقاومة العربية وانقطاع المدد ولجوء عائلته إلى قريته برقة، في حين تدافع السكان على الشواطئ للهروب إلى سوريا ولبنان بقوارب إنجليزية.

 

وفي الجزء الثاني من سيرة المدينة وسيرة كاتبها يعود سميح مسعود إلى استكمال ما بدأه في الجزء الأول من خلال تناوله لمشاهدات وزيارات كثيرة قام بها للقرى الفلسطينية، ربط فيها بين الحاضر واسترجع في كتابته لتلك الزيارات جزءا من تاريخ القرى والأماكن التي زارها.

 

يقول المؤلف في مقدمة الجزء الثاني من كتابه عن واحد من الأسباب التي دفعته لتأليف هذا الكتاب: “تثيرالتغريبة الفلسطينية تساؤلات كثيرة حول الحياة في فلسطين ما قبل النكبة، تساؤلات جوهرية كثيرة يمكن الإجابة عنها بالبحث الدائب عن الجذور، عبر استرجاعات زمنية، يتمّ فيها إنارة الماضي، والإبحار فيه، لالتقاط أصداء ومضات استذكارية حقيقية غير متخيلة؛ فيها قدر من شجن الحنين والحزن، يأبى تألّقها أن يتغير أو يضيع”.

 

وأرخ المؤلف في هذا الجزء من الكتاب لكثير من العائلات التي تسكن قريته برقة، وتناول جذورهم وصلتهم بعائلات اخرى، وذكر عاداتهم وتقاليدهم في كثير من المناسبات والتي تعتبر في معظمها واحدة ومتشابهة، وتناولها بكثير من التفصيل ذاكرا أصولها وجذورها وانتماءها لبرقة، وتاريخ وجودها في القرية.

 

ويعتبر الكتاب بجزأيه تأريخا لمدينة وقرية ولا يمكن توصيفها بالرواية أو السيرة الذاتية إلا بالقدر الذي أراد فيه المؤلف وتقصد اعتماد السرد لتناول حياة المكان ضمن الحديث عن جزء من حياته الشخصية، وربما يصح أن يصنف الكتاب ضمن الكتابة التاريخية التوثيقية للامكنة في أسلوب تسجيلي ولغة سردية قريبة إلى الكتابة التاريخية.

 

والدكتور سميح مسعود من مواليد حيفا 1938 عمل مستشارا اقتصاديا في الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وهي مؤسسة إقليمية من مؤسسات العمل العربي المشترك

 

ويدير المركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال/ كندا منذ تأسيسه سنة 2007، وهو أحد مؤسسي الصالون الثقافي الأندلسي التابع للمركز2010 كما أنه عضو في رابطة الكتّاب الأردنيين، وله هواية معروفة في اقتناء وتجميع المقتنيات الشعبية القديمة ويحتفظ في متحف خاص له بتحف ومقتنيات يعود تاريخها إلى 90 عاما مضت.

 

ومن أعماله الأدبية: “الوجه الآخر للأيام”، شعر، وله خمسة عشر كتابا في المجال الاقتصادي باللغتين العربية والإنجليزية منها: “الموسوعة الاقتصادية” (جزءان)، “قضايا اقتصادية عربية”، تحدّيات التنمية العربية”، “وجهة نظر اقتصادية”، و”الأزمة المالية العالمية، نهاية الليبرالية المتوحشة”.

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى