شاعرات أردنيات: النقد عجلة معطلة، يتعامل مع إبداع المرأة من منظور العزل والتهميش..

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص-
*بريهان الترك
أنتجت الحركة الشعرية النسوية في الأردن، ولا تزال، العديد من التجارب لشاعرات كان لهن إسهاماتهن الواضحة في تطوير وشحن القصيدة العربية بطاقات إبداعية جديدة، دون اكتراثهن بالنقد الذي بقي مقتصرا على بعض ما ينتجه الرجل..
كما أطلق مصطلح “الأدب النسوي” على ما تنتجه المرأة من أدب يُعنى بهمومها وقضاياها، ما يؤكد على أن النقد لا يزال يضع الحدود بين ما ينتجه الرجل وما تنتجه المرأة، رغم أنها خرجت بمنجزها من هذه الدائرة الضيقة إلى فضاءات واقتراحات لا تقل أهمية بمستواها الكوني والإنساني والتجديدي عن ما ينتجه الرجل.
ووفق دراسات حول ما تنتجه المرأة من شعر على المستوى المحلي والعربي تفوقت قصيدة النثر على الأشكال الشعرية الأخرى “التفعيلة والعمود” مواكبة منها للتطور، ولكون قصيدة النثر أقرب إلى التعبير عن القضايا المعاصرة ومعالجتها، وقد ظهر من خلال الإصدارات الشعرية الجديدة، على الأخص في الأردن، أن المرأة تمكنت من تحقيق حلمها بالحرية والانعتاق إلى التعبير الحر عن ذاتها، وتجاوزت العوائق كالتابوهات والمحرمات.
حول هذه القضايا ناقشن أديبات وشاعرات أردنيات من مثل الشاعرة لينا أبو بكر، والشاعرة مها العتوم، والشاعرة مريم شريف، ظواهرها وحلولها..
النقد عجلة معطلة
أبو بكر ترى أن مشكلة النقد ليست بتقصيره في تناول التجارب الشعرية والإبداعية عموما بشكل يليق بهاجس التجربة الشعرية في الأردن، بل لأنه عجلة معطلة لم يكن لأحد أن يحركها إلا بعملية دفع خلفية لا يمكن سوى لصحافة ال”take awy” أن تقوم بها.. وهي مسألة تعكس مدى تقهقر حال النقد عن مواكبة الحركة الشعرية بشكل عام في مجالها المحلي، مما أدى لتأخر الحراك النقدي عن استيعاب القفزات الإبداعية في القصيدة الأردنية عموما، لا بل إن هذا التأخر انعكس باكتفاء وحصر النقد في مجال الوقوف على الأطلال وهو ما لم يؤخر أبدا تقدم العمل الإبداعي الشعري في الأردن مما يعد استثناء حقيقيا ويثبت أن الإبداع في الأردن لم يركن إلى النقد ولكنه مضى قدما فاستفز بعض الأقلام النقدية التي أدركت عمق الهوة الناجمة بين الحركتين، وبدأت تستعيد قواها للحاق بجيل كامل من الشعراء تم تجاوزه وإسقاطه وهو تماما ما حدث، لذا لا يمكنني أن أنصف النقد فأقول أنه ظلم أدب المرأة.. فقط!
العتوم، من جهتها، تشير إلى أن النقد يتفرج ولا يفعل في وطننا العربي عموما وفي الساحة المحلية خصوصا. ولا يقوم بالدور المتوخى منه الذي يطور ويشحن ويفرز مواهب جديدة، وينصف المواهب المكرسة، وهذا عام للمرأة وللرجل. ولذلك تعاني المرأة المبدعة الشاعرة من غياب دور النقد الحقيقي الذي يقيم ويقوم مثل الرجل تماما.
وتؤكد مريم شريف على أن النقد في العموم لا يواكب حركة الإنتاج الأدبي، على الأغلب ما زال النقّاد يكرّسون الأسماء التي تكرّست سلفاً، ويحتفون بإنتاجها، أما بالنسبة لكتابات المرأة فما زالت توضع في هذا المجال الخاص والضيّق: “الكتابة النسوية”، وتتابع شريف قائلة: “تجري مقارنة الشاعرة مثلاً بشاعرات أخريات لا بحركة الإنتاج الشعري العام.. هذا حكم مسبَق على أنّ شعر المرأة أقلّ شأناً من شعر الرجل، الغريب أننا نجد في الأردن من يتخصّص في نقد الأدب النسوي ولا أعرف إن كان هذا محاولة لإنصاف المرأة وشعرها بقصد القول إنه مساوٍ في الأهمية والإبداع لشعر الرجل أم أنه تكريس بطريقة أو بأخرى للنظر من الأعلى نحو إبداع المرأة من باب التعاطف والأخذ باليد”!
وتضيف: “ما زال بعض النقاد يبدأ كتابته النقدية عن أدب المرأة بمقدمة اجتماعية عن ماضي المرأة التي تعمل في الحقل وتعود للطبخ والخبز وهدهدة الأطفال.. وكأنه بهذه يردّ الأشياء إلى الأصل الذي لا يمكن الانعتاق منه أو تجاوزه، ويكون كلّ هذا تهيئةً للانتقاص المسبق!
مصطلح “الأدب النسوي”
ترفض أبو بكر التعليق على ما يسمى “الأدب النسوي”، وترفض الخوض في ظاهرة قبلية لم تزل تتعامل مع المرأة من منظور العزل الذي يعني التهميش.. حتى كأنها لم تزل تساق مع القطيع والجواري وتوضع في خانة ركنية..
أما العتوم فتقول: “أتعامل مع هذا المصطلح بحذر وبمستويين ربما يبدوان متناقضين وإن كنت في قرارة نفسي أراهما متكاملين، أقبل النسوية بما هي ضد السلطة بمستوياتها المختلفة وبما هي انشقاق عن السائد والمتكلس، وأرفضها بما هي تمترس المرأة وراء حدود تفصلها عن الرجل حتى لو كان في ذلك تميزها، في الإبداع وفي الشعر أرفض مصطلح الإبداع النسوي، لأنه يتعامل مع كل شعر المرأة على أنه نسوي، ويقبل أحياناً بانحطاطه وتخلفه، وأنا أرى الشعر هو الشعر سواء كتبه الرجل أم كتبته المرأة، ولا أقبل التسامح مع شعر المرأة الأقل مستوى فنياً وجمالياً تحت هذا المسمى، وفي الوقت نفسه أجد للمرأة في قصيدتها حضوراً خاصّاً، خاصة في المضامين.
من جهتها توضح شريف بأن مصطلح الأدب النسوي يطلق عل إنتاج المرأة الأدبي بشكل عام سواء كان قصة أو رواية أو شعراً ،وهو لا يعني بالضرورة الأدب الذي يهتمّ بقضايا المرأة وهمومها، فالكثير من الأدباء كتبوا روايات وأعمالاً سلّطت الضوء على هموم المرأة وقضاياها، ولا تصنّف ضمن الأدب (النسوي). وترى أن المرأة خرجت من دائرة همومها الخاصة إلى دائرة الكون الواسعة وكتبت في كل المواضيع: كتبت عن الرجال كما كتبت عن النساء. ومع هذا فنتاجها الأدبي هو (أدب نسوي)، المجتمع العربي والأردني خصوصاً محكوم بالكثير من التقليدية في نظرته للمرأة..
قصيدة النثر، الأقرب لتعبير الأنثى
وحول اختيار المرأة لقصيدة النثر كشكل شعري تقول أبو بكر: “الله يسهل على وليام فوكنر.. عذرا لهذا التعبير الذي يجنح إلى العامية، ولكنه جنوح ضروري إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن بطل أحلام فوكنر “كائن كابوسي” إن جاز لي التعبير، لأن حلمه الوحيد كابوسه الذي كان يسقط فيه من جبل عال وهو لم يصعد في حياته تلة واحدة.. لن أعني بهذا إلغاء التجربة النثرية أو رفضها أو التعامل معها بتعال لأن لها أثرها ووقعها وثورتها التي امتدت لعقود، ولكنني مع ما رآه الشاعر اللبناني مرة أن مرحلة ما بعد الحداثة هي مرحلة العودة إلى الوراء.. القصيدة النثرية انقلاب على القوالب الموروثة، ثورة لربيع إبداعي تم تشويهه من قبل من يتلقفون “الفشنغ” الفارغ من الثورات ويظنونه رصاصا، موضوع القصيدة النثرية موضوع جدلي إلى أبعد الحدود، ولكن التجربة التي لا يستطيع أصحابها وأتباعها القبض على جمرتها – كنوع من الحماية– لابد تفلت من بين الأصابع كخيوط الماء المتسربلة.. هنالك دائما خطأ يرتكبه أصحاب الانقلابات الإبداعية، قائم على استيراد الانقلاب وليس اكتشافه.. التفعيلة تنتصر ليس لأننا شعوب نعتمد على ما نرثه ونتسمر عند قدميه.. إنما لأننا خرجنا من عباءة العمود إلى التفعيلة دون أن نخلع جلدنا.. الإبداع الذي لا يستطيع أن يكتشف ثورته ليس إبداعا حقيقيا بل استهلاكيا وهذا يتنافى مع مبدأ الخلق”.
وهنا تشير العتوم إلى أن لا جواب واضح في ذهنها وإن كانت تتفق على أن النثر هو الشكل الشعري الأكثر استخداما من قبل الشاعرات وحقيقة، وتشير أيضا حول السبب في ذلك قائلة: “برأيي أن قصيدة النثر انشقاقية، وظهرت خروجا على الشكل السائد وهو قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية قبلها، وبما أن المرأة بدأت تطرح نفسها بشكل مختلف عن الرجل وبشكل انشقاقي عنه، فإن الشكل الأقرب لهذا المضمون هو قصيدة النثر لا التفعيلة. ولكن بالنسبة لي شخصيا ما زلت أميل إلى الوزن وإيقاعات قصيدة التفعيلة، وإن كانت لي بعض قصائد النثر.
وفي هذا الصدد تقول شريف: “قصيدة النثر تتيح حرية أكبر في التعبير وفي المواضيع الشعرية، شخصيا لا أعرف حين ذهبت لهذا النوع من الكتابة إن كنت أواكب التطوّر أم أعبّر عن نفسي فقط. أظن أننا جميعا ننطلق من الرغبة في التعبير عن الذات وتشابكها مع الكون، المواكبة والحداثة ليست مرتبطة بقصيدة النثر، بل هي غاية الأصناف الأدبية عموماً.
خروج المرأة على التابوهات ليس بالضرورة تحررا
تؤكد أبو بكر على أن التجربة الإبداعية للكاتبات الأردنيات تطورت كما تطورت مظاهر عديدة في الأردن، ومجالات يشترك الرجل والمرأة فيها.. كما وترى أن الخروج عن التابوهات ليس بالضرورة انعتاقا للمرأة.. الحرية الحقيقية في الإبداع عند المرأة الشرقية –ليس كفصل بل كتخصيص للملمح– هي أن تأخذ معها خيمتها إلى جزر القمر، وتحتسي نبيذ القصيدة في دلال القهوة العربية المعتقة، الانعتاق هو الانجذاب إلى التابو على اعتباره غواية للقبض على الحرية بسلاسل مفككة.. وتضيف أبو بكر: “أنا ضد الخروج عن التابوهات بشكل مطلق.. لأنني مع الغواية التي تشف ولا تصف حتى في نطاق التعامل مع العرف على اعتباره مادة جمالية يمكن الالتفاف على سياجها وأسلاكها الشائكة بجسد من حرير.
العتوم تلفت إلى صعوبة الحكم على هذا الأمر في حوار مختزل، ولا بد من الرجوع إلى نماذج محددة، ولا بد من النظر في مفهوم الحرية المقصود. للحرية قيودها أيضا.حين أنظر فيما تكتبه بعض النساء يهولني حجم الانفلات والفوضى أحيانا، وأنا لا أتحدث عن الموضوع من وجهة نظر أخلاقية، لأن هذا يتصل بالشخص لا بالإبداع، لكني أظن أن عدم تحديد مفهوم الحرية من جهة، وأنها لا تنبع من دواخل بعض المبدعات من جهة أخرى يجعلها شكلية خارجية زائفة.ولكن بالمقابل هناك من يفهم الحرية الحقيقية من النساء وغالبا هؤلاء هن المبدعات، لأن لا توسط في الأمر ولا مفاوضة: إما أن تكوني حرة أو لا تكوني، وبالتالي إما أن تكوني مبدعة أو لا تكوني.
بينما ترى شريف أن المرأة العربية، عموماً، تجاوزت الكثير من المعوقات والقيود، وأحيانا كان ذلك التجاوز لدى البعض مبالغاً به، أقصد أن ذلك التجاوز ظهر أحياناً وكأنه هو الهدف وليس التعبير التلقائي وبحرية تامة، وهذه مشكلة، المجتمعات العربية محكومة بالكثير من القيود ولا تتمتع بالديمقراطية واحترام حرية الفرد، كما لا يمكن تجاهل إرث طويل من النظر للمرأة على أنها في المرتبة الثانية في المجتمع والبيت، وإذا كانت الحرية هي الحرية ولا تقبل أن توصف بالمبالغة فأنا أحلم بأدب حرّ وشعر إنساني لا يضطر للدفاع عن نفسه بالمبالغة أو التبرير.
*صحافية وشاعرة أردنية