شوقي بدر يوسف يتفرس في وجوه كتاب السرد

الجسرة الثقافية الالكترونية
كتاب “وجوه عظيمة: قراءات في الأدب العالمي”، لشوقي بدر يوسف، يتفرس في حضور أسماء كتّاب للسرد من مختلف أنحاء العالم، مبرزا وجه الإبداع الإنساني المتميز، حيث كان حضورهم على المستوى العالمي حضورا إنسانيا وفنيا بهر المشهد الأدبي في آفاق العالم المختلفة من خلال منجزاتهم التي كانت لهم بمثابة الشعلة التي أضاءت ولا تزال تضيء جنبات الأدب العالمي المعاصر بما حوته من فكر ورؤى وفلسفة وإبداع متألق.
ألوان أدبية جامعة
الكتاب يتناول كوكبة من المبدعين وردت أسماؤهم في ترتيب عشوائي إلى حد ما جعل كل موضوع من الأعمال المطروقة عملا نقديا مستقلا بذاته، وتضم الكوكبة نخبة من الكتّاب أثروا الأدب العالمي بنتاجهم الروائي والقصصي المتميز.
وهي ألوان منتخبة حاول فيها شوقي بدر يوسف أن يجمع فيها البعض من آرائه النقدية الشخصية حول كل من هؤلاء الكتّاب الذين تناولهم بالقراءة، وإن كان بعضهم قد فرضته اللحظة الآنية في التناول مثل الصيني مو يان الفائز بنوبل 2012، والكندية آليس مونرو الفائزة بالجائزة 2013، وقد مثلت في كتابة هذه القراءات متعة الانفتاح على الآخر ومشهده القصصي والروائي بكل ثقل التجربة ومراوحاتها.
المؤلف أخذ بعين الاعتبار أن تكون هذه الألوان جامعة في نسيجها لروح الكاتب في إبداعه، وأسلوبه المميز في تناولها، وحاول أن يقدم البراهين الخاصة بمنجز كل كاتب، وكان لا بدّ من ذكر المراجع التفصيلية إلا أن شوقي بدر يوسف رأى ألا تكون الحاشية مفرطة إلى حدّ الإزعاج قدر المستطاع.
وقد راعى أن تكون قراءاته لهذه النخبة من كتّاب العالم تنحصر في مهمته كناقد، فتمّت مراجعة المنجز الفني والموضوعي لكل كاتب على حدة، وخلق مناخ من التقدير له، كما تمّت محاولة تحليل بعض من نماذجه السردية وإيجاد أبعاد وأسئلة عن الكتابة وقضاياها المختلفة عند كل من هؤلاء الكتّاب الذين وقع عليهم الاختيار في التناول القرائي المتداول هنا.
هذا الاختيار جاء لخلق مناخ قرائي آخر لدى ذائقة المتلقي يحيله إلى المتن الرئيسي لكل كاتب ومنجزه الإبداعي إن أراد، في محاولة لإضاءة هذا العالم من كافة جوانبه الموضوعية والفنية والشكلية.
في هذه الموسوعة يحضر وجهان نسائيان من أميركا الشمالية هما الأميركية ليونيل شرايفر والكندية أليس مونرو
فهذه الوجوه العظيمة من الكتّاب وعلى الرغم من بعد الشقة بين كل منهم في الشرق والغرب والشمال والجنوب إلا أنهم جميعا متشابهون بقدر ما هم مختلفون؛ فهم يشتركون في استيعابهم لتجربة الأدب، واستجابتهم لها، والتصاقهم بتجربة العمل السردي في مشهدهم وعالمهم الروائي والقصصي الخاص، وحماستهم المفرطة لحرفة الكتابة، غير أنهم مختلفون في التعقيدات الأسلوبية، واستراتيجيات البنية السردية الروائية والقصصية عند كل منهم والتوجه الكتابي في عالم كل منهم، واستخدام المكان والزمان، والاحتفاء بالقضايا الإنسانية في منجزهم، وتقنيات الكتابة والتفاصيل الروائية الخاصة بكل منهم.
كما جاءت الموضوعية في التنوع عبر تناول السيرة الذاتية والقراءة الببليوغرافية في بعض الأحيان وأدب الخيال العلمي من خلال نموذجين ملتبسين في الكتابة هما غابرييل غارسيا ماركيز (نوبل 1982) وجان بول سارتر -رافض نوبل 1956- فكان الاختيار قد وقع عند كل منهم على السيرة الذاتية ملتبسة الشكل مع الفن الروائي.
ماركيز وسارتر
عند ماركيز كان نص “عشت لأروى” وهو نص روائي سيري وضع فيه ماركيز بعضا من حياته مع شيء من المتخيل السردي في واقعيته السحرية المعروفة، كما كان الضبط الببليوغرافي لهذا الكاتب الفذ في الدوريات العربية هو الآخر متعة في الرصد والطرح الجمالي الساحر.
وعند سارتر كان كتاب “الكلمات” هو محور التناول عند هذا الفيلسوف الوجودي الكبير وسيرته الذاتية والتي كتبها في قالب روائي متميز وضع فيه مفردتي القراءة والكتابة في موضعهما الذاتي، كذلك من خلال اختيار موضوعي لأدب الخيال العلمي عند الأميركي راي براد بري والفرنسي الرائد جول فيرن ودور كل منهما في صناعة الأحلام التي تحقق قدر كبير منها وتحول إلى واقع نلمسه بأنفسنا اليوم في جنبات العالم المختلفة.
كما كان التنوع المنتخب من أوروبا قد جاء عبر تشيكوف والبعد الإنساني في إبداعه القصصي، والإيطالي دينو بوتزاتي وثيمة الموت كقضية أساسية في إبداعه القصصي القصير.
كانت آسيا حاضرة في صلب هذا الكتاب من خلال عدد من الكتّاب الذين لهم تميّز خاص في الصين واليابان من خلال باجين أحد عمالقة الرواية الصينية والروائي مو يان الفائز بجائزة نوبل 2012، كذلك اختار الكاتب من اليابان عميد الرواية اليابانية الحديثة ياسوناري كواباتا الذي حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1968، وانتحر بطريقة هاراكيري في أبريل 1972.
كذلك يحضر وجهان نسائيان من أميركا الشمالية هما الأميركية ليونيل شرايفر التي حازت جائزة الأورانج النسائية عن روايتها “دعنا نتحدث عن كيفين” والتي جاءت قراءتها هنا بمثابة حضور إنساني للأدب العالمي النسائي، والكندية أليس مونرو التي حازت نوبل 2013 والتي أعادت جائزة نوبل إلى فن القصة القصيرة وبؤرتها المراوغة الماكرة مرة أخرى، بعد تربع عدد من السنين لمجالي الشعر والرواية.
كما كانت مدينة الإسكندرية موطن الكاتب شوقي بدر يوسف وملعب صباه وشبابه، مدينته الساحرة الحبيبة، عندما وضع لها بابا مستقلا تناول فيه قراءة خاصة بالأدب العالمي في الإسكندرية وهو موضوع يحتاج إلى كتاب مستقل يجمع فيه المرء ما كتب عن هذه المدينة الروائية عالميا من أدب وإبداع.
إلا أن المؤلف اكتفى باثنين من رموز الإبداع العالمي اللذين منحا الإسكندرية منجزا أدبيا فأعطتهما الإسكندرية منحة العالمية وهي الشهرة والخلود وهما لورانس داريل صاحب رباعية الإسكندرية الشهيرة، وقسطنطين كفافيس شاعر الإسكندرية الكبير وقد ختم بهما هذه الرؤى النقدية لهذه الكوكبة العظيمة من الوجوه المضيئة في الأدب العالمي.
المصدر: العرب