شوقي يوسف يعرض إبداعات (تجويف اللحم)

الجسرة الثقافية الالكترونية – وكالات -افتتح مساء أمس بجاليري المرخية في سوق واقف معرض للفنان اللبناني شوقي يوسف حضره عدد كبير من المهتمين والفنانين وقد تضمّن 34 عملاً فنيًا من أعمال الفنان الذي تتميز مجمل أعماله بالتركيز على مفردات متنوعة من ضمنها الجسد بتعبيرات حركية وعصبية مختلفة، وباللعب على تحولات لعناصر مرئية وغير مرئية في إيقاع فنيّ صاخب، وتأتي لوحاته بأحجام متفاوتة مشغولة بخامات عديدة على الورق والقماش، والمتأمل لأعمال الفنان يجده ينظر ملياً في تلك الكتل الجوفاء التي يحرّكها ويصوغها في مشهديات اختبارية ممسوكة بإيقاع ولغة بصرية على درجة كبيرة من الحيوية.
فلا يقترب شوقي يوسف في تجاربه الجديدة من لغة تشريحية بالمعنى العلمي للكلمة، بل يستفيد من العنوان الذي اختاره لمعرضه “تجويف اللحم” لخلق ثغرة يلج فيها إلى الداخل، يتعقّب من خلالها حراكاً باطنياً، ويتيح لنا بناء علاقة مختلفة متشعِّبة مع بنية الجسد.
يأخذ التشويه في أعماله قيمة خاصة. العبث في الشكل التقليدي، حيث يحيل الشكل البشري إلى ماهيته الأولى، سلسلة من العناصر والسوائل والكتل العضلية، ومتاهة من الخطوط غير المنسجمة. ربما يحاول هذا الفنان تخليص الجسد من سُمك جلديّ متبلد، جعله على مسافة بشعة ومحايدة ممَّا يدور من حوله.
في إحدى لوحات يوسف التي يتركها بلا عنوان (مواد مختلفة على قماش ـ 165 × 145 سنتم)، يرتمي الجسد على طاولة. الفضاء الرمادي يضع الشكل في نقطة جاذبة ومسيطرة. الجسد هنا يعطي مشاعر متضاربة، وقد يحيلنا على أكثر من صورة في الذاكرة للجسد المحترق، المقتول. لا تخلو هذه اللوحة وغيرها من شحن عاطفي. يبدو التعاطف ضرورياً لفهم ما يمرّ به الجسد من تحديات وامتحانات وامتهانات غير منتهية.
وفي ثلاثية بلا عنوان أيضاً (أكريليك على قماش) نعاين الجسد في وضعيات صدامية مختلفة، اللون الأخضر يعطي الشكل وقعاً صادماً، وخصوصاً عندما يتداخل الجسد بالطاولة التي تمثّل متّكأً لمعظم الأعمال، تتخذ أعمال شوقي يوسف في هذا المعرض موقفاً قد يبدو عدائياً وصادماً، لكنّه لا يخلو من تأسيس لبنية عاطفية وانفعالية هدفها خلخلة بنية خارجية متحجرة، والبحث عن بنى داخلية عميقة يمكنها أن تكون أرضية مناسبة للتصالح مع العالم.
ويتحدث شوقي يوسف عن المساحة على أنها شعور والهدف من الرسم يتقدّم باستمرار نحو التقليل من الطلاء، وهكذا تقتصر ألوانه على تدرّجات الأحمر والأسود والرمادي من أجل مضاعفة القيمة التعبيرية الصارخة، دون تزيين لوني من شأنه أن يبعد اللوحة عن مضمونها المأساوي، فيخاطب الفنان تيمة الجسد الإنساني من أحوال الفرد تحت وطأة الجوع والإحباط والاشمئزاز، ومن خطاب المدينة التي تغيب عن الأعمال لكنها تحضر في إسقاطاتها غير المباشرة، من الحيّز السياسي والنفسي والاجتماعي.
يقترب شوقي يوسف في تجاربه الجديدة من لغة تشريحية بالمعنى العلمي للكلمة، ويتيح بناء علاقة مختلفة متشعِّبة مع بنية الجسد في الكثير من لوحاته، حيث قد تأخذنا لونيّاته المختلطة إلى نفور من نوع ما، لكننا سنكون في الوقت نفسه أمام فرجة ممتعة، تتقاطع فيها جملة من الانفعالات النفسية والحركية، بلغة تعبيرية قوامها الاختزال، والاستفادة من النتائج المدهشة التي يوفّرها فن الـ “كروكي”.
وبذلك نجد أن التشويه يأخذ في أعماله قيمة خاصة، وبالشكل العام تبدو لوحة شوقي يوسف قادرة على ترك أثر ملموس ومباشر لدى المتلقّي عبر اللغة الإشارية، ونفي الانسجام من بنية علاقاته اللونية، والاشتغال على كتل قابلة للانصهار بما حولها، جميعها عناصر تجعل من لوحته جزءًا أصيلاً من مشروع فنيّ شاب يحاول تقديم العالم من منظور جمالي مختلف.
ومن الجدير بالذكر أنه سوف ينظم المركز الشبابي للإبداع الفني ضمن برنامج فكرة بالمركز وبالتعاون مع جاليري المرخية ندوة ثقافية للفنان اللبناني شوقي يوسف مساء اليوم ثاني أيام المعرض؛ للحديث عن المعرض وتجربته بشكل عام.