صاحب ‘أدبيات الكرامة الصوفية’ على مقعد الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة

الجسرة الثقافية الالكترونية
*مصطفى عبد الله
هذا الكتاب، الذي أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة في سلسلة “كتابات نقدية” بعنوان “أدبيات الكرامة الصوفية”، يبحث فى بلاغة الكرامات الصوفية فى تراثنا الصوفى الخصيب، شفهية ومدونة، كما يشبر الدكتور أيمن تعيلب، المشرف على هذه السلسلة.
ويرصد مؤلفه الشاعر الدكتور محمد أبوالفضل بدران، ماهية الكرامات، ومهمتها بوصفها نصًا إبداعيًا سرديًا مستقلًا، له مكوناته البلاغية، والأسلوبية، والقيمية، والوجدانية، ووظائفة الجمالية والتخييلية والروحية والمعرفية، ودلالاته المتنوعة.
ويرى المؤلف أن أدب الكرامات جنس أدبي مستقل بذاته، قد يتلامس مع القصة، بل ربما يكون أساسها، بيد أنه يختلف عنها في كون الكرامة حكاية مقدسة لدى الصوفيين، ولذلك لا يهدف هذا البحث إلى الدخول في تيه السؤال عن حقيقة حدوث الكرامة من عدمه، مكتفيًا بالوقوف على حقيقة وجودها في التراث العربي.
ومن الإهداء الذي صدر به المؤلف كتابه ندرك أن هذا الشاعر الجنوبي الذي أنجبته العويضات بقفط في محافظة قنا تمثل الكرامات مكوناً أساسياً من مكوناته الوجدانية منذ طفولته، ففيه يقول: “إلى أبي، رحمه الله تعالى، الذي شاهدت كراماته، وعلمني أشعار ابن الفارض، وحكى لي عن كرامات الشيخ محمد الطيب الحساني، وأسمعني إنشاد الشيخ أبوبكر عطية، والشيخ مبارك إسماعيل، والشيخ أمين الحادي، والشيخ حمدي مبشرين بوصول المدد”.
ويذكر الدكتور بدران أن الكرامات هي مادة الحديث في السمر، وهي وسيلة وعظية في المساجد، كما أنها الأداة الوحيدة للترقى في المقامات لدى معظم الطرق الصوفية، وهي الحدث الجديد الذي يتكئ عليه الأدب العربي والإسلامي الحديث ولا سيما في الرواية على نحو ما.
وفي إطار محاولته لتجميع الكرامات الشفهية لاحظ بدران أنه أدعى بجامعاتنا ومؤسساتنا العلمية أن تتجه إلى جمع هذا التراث وتدوينه، ومن ثم إلى دراسته وتحليله بحيث لا يكتفى بتقديسه من منطلق صوفي أو نبذه من منطلق عقلاني، فقد بات واضحًا في مجال المعرفة أن المنتج غير العقلاني يلعب دورًا كبيرًا في صنع التاريخ، وفي تحريك مجرياته، ومن هنا فإن إهماله بدعوى إغراقه في الغيبيات يفقد الباحث جانبا كبيرًا من دراسة المجتمع أدبيًا واجتماعيًا وسياسيًا وتاريخيًا.
ويذكر المؤلف أن النص الكراماتي هو نص روائي لا متناهٍ، يستطيع أن يواكب العصور كي يتجاوزها، وهو التدوين الشعبي للأحداث والدول، والتأريخ الهلامي لسير الأولياء، حيث يبدع الشعب في تخليد حياة أوليائه وكتابة سير حياتهم وفق رؤيته لهم.
ويشير المؤلف إلى أن الصوفي قد يشطح في ملفوظاته وأفعاله، ويرجع هذا الشطح إلى حالة السكر التي تنتاب أصحاب الكرامات، وهي نابعة عن السُّقيا الروحانية التي هي المعادل الموضوعي للإلهام، أو هي الإلهام ذاته الذي جعل لغة المتصوفة لغة شاعرية، تمنح الأشياء مسمياتها من جديد، فهي غياب حضور اللفظ، وحضور غياب المعنى.
قسم المؤلف كتابه هذا، بعد المفتتحين والتمهيد، إلى ثمانية فصول؛ تناول الفصل الأول منها أهم مصادر الكرامات وموقف المذاهب والفرق الإسلامية منها، أما الفصل الثاني فتناول نظرية الاستبدال في الكرامات، وتحدث الثالث عن شخصيات الكرامة، بينما فَصَّل الرايع وظائف الكرامات، وحدد الخامس صور هذه الكرامات.
أما الزمن والرؤية والتصوير في الكرامات فكانت موضوعات الفصل السادس، في حين تعرض الفصل السابع لنقد إبداع العالم المثالي في الكرامات، وأفرد الفصل الثامن والأخير لظاهرة توظيف الكرامات في الأدب العربى.
ويوضح المؤلف أن الكرامة هي خرق العادة من قبل وَلي، ومن حيث النظرية فلا فارق بين الكرامة والمعجزة، إلا أن الكرامة تختص بالأولياء، أما المعجزة فهي مختصة بالأنبياء.
ولا تحصى التآليف التي جمعت الكرامات في متونها، وأغلبها لا تزال مخطوطات لم تحقق بعد، وأهم ما تم تحقيقه منها: “حلية الأدباء وطبقات الأصفياء” للإصبهانى، الذي اشتمل على قرابة سبعمائة ترجمة للأولياء، و”التشوف إلى رجال التصوف” لابن الزيات، وبه ما يربو على المائتين وسبع وسبعين ترجمة للأولياء مملوءة بذكر الكرامات، و”روض الرياحين في حكايات الصالحين” لليافعي، وقد أورد هذا المؤلف نحو خمسمائة كرامة للأولياء، وكان يقدم كل كرامة بلفظ “حكاية”، و”نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ الصوفية أصحاب المقامات العالية” لليافعي أيضًا، وقد فرق فيه بين الكرامة والمعجزة والسحر، و”جامع كرامات الأولياء” للنبهاني، ويعد من أكبر الموسوعات التي حوت الكرامات بين دفتيها، وقد رتب أسماء أصحاب الكرامات على حروف المعجم، و”الأولياء” لابن أبي الدنيا، وهو من أوائل الكتب التي خصصت للحديث عن الأولياء وإثبات كراماتهم.
وتحتل مؤلفات “الكلاباذي”، و”القشيري”، و”الهجويري”، و”ابن عربي” مكانة بارزة في التراث الكراماتي.
كما ينتبه الدكتور بدران في هذا الكتاب إلى هذه الدراسات الحديثة التي تناولت هذا الموضوع، ومنها كتاب “الكرامات الصوفية والأسطورة والحلم” للدكتور علي زيور الذي اعتنى فيه بتحليل الذات العربية ولا سيما القطاع اللاواعي فيها، باعتبار أن “الكرامات” هي المسؤولة عن تخلف الفكر العربي.
أما دراسة الدكتور عبدالستار عزالدين الراوي “التصوف والبارسيكولوجي” فقد انصبت على أصول التصوف، فحاول مؤلفها دراسة التصوف في أطر علم البارسيكولوجي، وهو الحقل الذي يدرس هذه الظواهر فوق الحسية، والقوى الخارقة للإنسان، كما تحدث عن الكرامات من حيث وقوعها، موضحاً كيف أنها نشأت في وسط العامة.
ومنها أيضاً كتاب لطفي عيسى “أخبار المناقب في المعجزة والكرامة والتاريخ”، وهو تحليل لمخطوط “نور الأرماش في مناقب أبي الغوث القشاش” لمؤلف مجهول يدعى المنتصر بن أبى لحية القفصي، ويعود تأريخ تأليف المخطوط إلى أوائل القرن السابع عشر، وهو تحليل جيد للنص والظروف التاريخية التي أسهمت في انتاجه.
وقد جاءت كتابات الدكتورة نبيلة إبراهيم لتلقي الضوء على أهمية التعبير الشعبي، ولا سيما الرمز فيه، وعالمية التعبير الشعبي، ودور البطولة الشعبية في الوعي العربي، خاصة وأن جانباً ما من الكرامات يندرج تحت مسمى الأدب الشعبي، فقد تتلامس شخوص الكرامات مع شخوص الخرافات، تلك التي تتميز شخوصها عن شخوص عالمنا الواقعي بخاصية التسامي، تسمو شخوصها بحيث تفقدها جوهرها الفردي وتحولها إلى أشكال شفافة خفيفة الوزن والحركة.
وقد قدم الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي رؤية نقدية تناولت البعد الصوفي في الأدب، وذلك من خلال تحليله لرواية “عرس الزين” للطيب صالح في كتابه “صانع الأسطورة”، فقد أوضح فيه الحجاجي ضرورة قراءة النص في إطاره الصوفي المميز، وحاول أن يكسو شخصية “الزين”، بطل الرواية، حلة الولاية، ويوضح أثر الكرامات في ذلك النص الروائي.
ومن المؤلفات التي يجب ذكرها في هذا المقام؛ كتب الإمام الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الجامع الأزهر الأسبق، الذي ألف سلسلة من الكتب حول الأولياء، تناول فيها كراماتهم، وأشار إلى أن الله أمدهم بمدده وعطاياه.
ويهتم المؤلف بالإشارة إلى أن الكرامات أنصفت المرأة أيما إنصاف، فقد أعلت من دورها وجعلتها في مصاف الرجال الأولياء، بل تفوقت، أحيانا، على معاصريها منهم، وأحاطتها بهالة من التقديس والرهبة، ومن أشهر الأمثلة على ذلك “رابعة العدوية”، و”تريزا” التي اهتدت على يد أبي الحجاج الأقصري، و”فاطمة بنت بري” التي اهتدت على يد السيد البدوي.
وفي ترجمة ذي النون المصري النوبي في “تحفة الأولياء” نجد أنه قد التقى في سياحته بكثير من الوليات، يعرفنه دون أن يعرفهن، فيروي: “بينما أسير في جبال إنطاكية، فإذا بجارية كأنها مجنونة، وعليها جبة من الصوف، فسلمت عليها، فردت السلام، ثم قالت: ألست ذا النون المصري؟ قلت: عافاك الله، كيف عرفتينني؟! ، فقالت: فتق الحبيب بيني وبين قلبك فعرفتك باتصال معرفة الحبيب، ثم مرت وتركتني!
ويحكي اليافعي عن كثير من الوليات اللواتي لهن قدم كبيرة في التصوف، ومن ثم في الكرامات، مثل المرأة التي رآها إبراهيم الخواص، وأخرى لقيها عثمان الجرجاني فبسطت يديها، وهمهمت بشفتيها فإذا يداها مملوءتان بالدنانير.
والدكتور محمد أبو الفضل بدران، الذي يتبوأ الآن منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، هو أستاذ النقد الأدبي، والعميد الأسبق لكلية الآداب بقنا التابعة لجامعة جنوب الوادي، عضو اتحاد كُتّاب مصر، حائز على جائزة مؤسسة Humboldt العالمية، عضو اللجنة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب ، منذ يناير/كانون الثاني 2015.
حاصل علي دَرَجَة الأستادية مرتين: الأولى من لجنة ترقيات الأساتذة بالمجلس الأعلى للجامعات بمصر 2004 والثانية من جامعة الإمارات العربية المتحدة (تحكيم دولي) 2005.
وهو محكم خارجي لترقيات الأساتذة بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، ومحكم خارجي لترقيات الأساتذة والأساتذة المشاركين بجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية بسلطنة بروناي، ومحكم خارجي لترقيات الأساتذة بجامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية، ومحكم خارجي لفحص الرسائل العلمية (ذكتوراه، ماجستير) بالجامعة الإسلامية العالمية، ماليزيا، ومحكم خارجي لفحص الرسائل العلمية (دكتوراه، ماجستير) بجامعة بسلطنة بروناي، وعضو لجنة تحكيم بعض الجوائز الدولية، أستاذ زائر بجامعة بون، واستاذ زائر بجامعة بوخوم لآخؤاعة الألمانيتين، رئيس مونديال الأقصر الدولي لاتحاد الإعلاميين العرب، (نحو خطاب إعلامي موحد ضد التطرف والإرهاب) 13-15 يناير/كانون الثاني 2015.
عضو لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة، عضو هيئة مكتب قطاع الآداب بالمجلس الأعلى للجامعات في مصر.
عضو لجنة ترقيات الأساتذة والأساتذة المساعدين (الدورة الحادية عشر يناير 2013 – ديسمبر/كانون الأول 2015).
رئيس مركز التراث اللامادي بجامعة جنوب الوادي، رئيس مجلس إدارة نادي قنا الرياضي منذ 24/6/2009 حتى 2011.
رئيس نادي الأدب المركزي بمحافظة، رئيس نادي الأدب والفكر بجامعة جنوب الوادي، رئيس نادي اليونسكو بجامعة جنوب الوادي.
مدير مركز تعليم وأبحاث اللغات بها، رئيس اتحاد طلاب كلية الآداب – جامعة أسيوط 1980/1981.
رئيس اتحاد الطلبة المصريين بألمانيا 1989/1990.
رئيس تحرير المجلة العلمية لكلية الآداب منذ 2006 حتى 2011.
من مؤلفاته: ديوان” النوارس تحكي غربتها” [شعر] ط. دار الغد – القاهرة 1991 (106صفحات).
كتاب “دور الشعراء في تطور النقد الأدبي حتى القرن الثاني الهجري” ط. السلام ، 1992 (367صفحة).
كتاب “قضايا النقد والبلاغة في تراث أبي العلاء المعري” ط. السمان 1992 (370 صفحة).
كتاب “رؤى عروضية، محاولة نحو تبسيط العروض” ط. مكتبة الأنجلو، القاهرة 1994 (183 صفحة).
“كتاب العروض لعلي بن عيسى الربعي النحوي” تحقيق وتقديم, ط. المعهد الألماني للأبحاث الشرقية بيروت، الكتاب العربي برلين – ألمانيا 1420هـ =2000(160 صفحة).
كتاب ” النصوص الأدبية” مع آخرين ط. جامعة الإمارات العربية المتحدة 2000.
“ديوان بدران” الجزء الأول “معلقة الخروج ساليدا” ط. دار الحضارة ، القاهرة 2001.
“أدبيات الكرامة الصوفية، دراسة في الشكل والمضمون” ط. مركز زايد للتراث، العين ، الامارات العربية المتحدة 2001.
“العرب والألمان” (مشترك) ، مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة، العين 2004.
“موت النص؛ جدلية التحقيق والتخييل في النص الشعري في ضوء النقد الأدبي القديم والشعراء النقدة” حوليات كلية الآداب بالكويت 2004.
“تحليل النصوص الأدبية” (مع آخرين) ط. جامعة الإمارات العربية المتحدة 2005.
كتاب ” قنا عبر العصور” إعداد وتحرير، مطبعة الجبلاوى، القاهرة ، 2009.
كتاب “كشاف مجلة كلية الآداب بقنا” إعداد وتحرير، مطبعة الجبلاوى، القاهرة ، 2009.
كتاب “النقد الأدبي البيئي” مطبوعات الكويت 2010.
كتاب “الخضر في التراث العالمي” ط. المجلس الأعلى للثقافة، 2012.
“أدبيات الكرامة الصوفية” ط 2، الهيئة العامة للثقافة، القاهرة 2013.
النشــر الالكتروني:
كتاب رؤى العروض . منهج إليكتروني – نشر وتوزيع المركز القومي للتعليم الالكتروني، منذ 8 سبتمبر/أيلول 2008.
المصدر: ميدل ايست اون لاين