صاحب مشروع أحدث ثورة ثقافية

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-
لا يكاد يرِد اسم الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير، إلا وحضرت معه فكرة مشروع “كتاب في جريدة”، إذ منذ تأسيسه للمشروع عام 1996م وكل منهما يرتبط بالآخر، فبات هو صاحب مشروع ثقافي أحدث ثورة ثقافية وأوجد علامة فارقة في المشهد الثقافي العربي، وبات المشروع ملاصقاً لقامة شوقي الشعرية التي صقلتها تجاربه المتمردة وجموحه نحو الحداثة والتجريب . في العام 2012 توقف المشروع، بعد أن قدم للقارئ العربي مئات الكتب وملايين النسخ الورقية في مختلف بلدان الوطن العربي، فالكتاب كان يصدر كملحق مع أبرز الصحف في الوطن العربي، مقدماً نخبة مختارة من أمهات الكتب العربية والمترجمة .
توقف المشروع وظلت أسباب غيابه عالقة بين اليونسكو التي ترعى المشروع وشوقي عبد الأمير مؤسسه ومستشار اليونسكو الثقافي في المنطقة العربية، والرعاة الداعمين الماديين الذين تناوبوا على دعم المشروع وبين طوال ستة عشر عاماً، إلا أن عبد الأمير لم يتنازل عن مشروعه فهو يسعى هذه الأيام جاهداً لإعادة إحيائه ليعاود المشروع انطلاقه من جديد خلال هذا العام .
“الخليج” توقفت مع عبد الأمير عن تجربة المشروع ومسيرته، والتحضيرات الجارية لإعادة إحيائه، مستعيدة ملامح من تجربته الشعرية وآرائه في المشهد الثقافي العربي ومتغيرات حركة الشعر، وكعادته يفتتح الشاعر حديثه بمفارقة مثيرة تكشف رؤيته لحال الراهن العربي، فما أن طلب المصور منه أن يبتسم كي يلتقط له صورة حتى أجاب، وقد أثار فيه الطلب الكثير من الضحك: ذكرني طلب المصور بقصيدة الشاعر “جورج سوميريس” التي يقول فيها: “طلبت أمي مني أن آتيها بديك أسود، ماذا أفعل يا أمي، والدجاج يباع بلا ريش في الأسواق” .
مسيرة طويلة تكاد تكشف ملامح المشروع الذي خرج به عبد الأمير، فمنذ أشعلت قصائده الأولى في العراق النار في المكرس والمستهلك، ومنذ أن مُنع ديوانه الأول عام ،1969 والشاعر يتابع السير عكس التيار ويشحذ طاقته كلها ليصل صوته الذي رأى أنه يمثل دوره في الكون .
بلدان عديدة طاف فيها عبد الأمير، ومجموعات شعرية كثيرة صدرت له، حصد على أثرها جائزة “ماكس جاكوب” العالمية للشعر بعد صدور ديوانه “مسلة أنائيل” باللغة الفرنسية في باريس، فشكّلت تجربته أساساً ليكون واحداً من القامات الثقافية المجددة في الحالة الثقافية العربية، فما أن أصبح مستشاراً لليونسكو لدى المنطقة العربية حتى طرح مشروعاً يبتغي منه النهوض بمستويات القراءة في الوطن العربي .
يقول عبد الأمير: “المشروع قائم على طباعة كتب كاملة بصيغة ملحق يوزع مع أبرز الصحف العربية، فأصدر المشروع منذ تأسيسه حتى توقفه 160 مؤلفاً، بمعدل 300 مليون نسخة لكل إصدار، لذلك استطاع المشروع أن يدرك قمة في إنتاج وتوزيع المعرفة لم تحصل في المنطقة العربية قط، ولا حتى في العالم” .
ويؤكد صاحب “يوم في بغداد” “أنه لو قمنا بحساب عدد النسخ التي صدرت عن المشروع بمعدل 300 مليون نسخة ل 160 عنواناً، سيقارب الرقم من نصف مليار نسخة، وهذا كله خلال فترة زمنية تقدر بعقد ونصف فقط، وذلك ما يجعل من أرقام النسخ المباعة عن دور النشر مهما بلغت تبدو ضئيلة مقارنة بحجم المنجز الذي حققه المشروع” .
قد يعتقد الكثير أن هذا المشروع لا يعدو عن كونه ملحقاً في صحف يومية عربية، لكن عبد الأمير يكشف عن أهمية المشروع بقوله: “أهمية كتاب في جريدة لا تأتي لمجرد عدد النسخ، فالمشروع قدم روائع الأدب العربي، قديمه وحديثه، شعراً، ونثراً، ومسرحاً، ورواية، ونقداً وفكراً، وكتب رحالة، وكتب أطفال، إضافة لذلك فهي المرة الأولى التي يوزع فيها الكتاب في اليوم نفسه في المنطقة العربية كاملة، إذ استطاع المشروع أن يستقطب العواصم العربية حوله، فنجح في مد الجسور بين الكتاب والقارئ العربي، إضافة إلى أن المشروع خدم التشكيل العربي فكان ينشر أعمال التشكيليين العرب على الغلاف وفي متن الكتاب” .
تظهر أهمية المشروع وريادته في تخطي مشكلة مستويات القراءة العربية، الأمر الذي يستدعي التساؤل حول أسباب توقفه، فيكشف صاحب “حدود” أن “السبب يعود إلى توقف الدعم المادي لآخر صناديق التمويل العربية التي رعت المشروع، فقد حظي المشروع منذ انطلاقه برعاية أهم وأكبر صناديق الرعاية العربية التي تعاقبت على دعم منظمة اليونسكو، فكان مدعوماً على التوالي من مؤسسة زايد، ومؤسسة العويس، ومؤسسة صخر، ومؤسسة الحريري، ومؤسسة محمد بن عيسى الجابري التي كانت آخر الممولين” .
ويوضح عبد الأمير التحضيرات الجارية لإعادة إحياء المشروع فيقول: “اليوم وبعد هذه الوقفة يسعى “كتاب في جريدة” لانطلاقة جديدة كبرى، يجري خلالها تقييم التجربة، ودراسة النتائج التي أفضت إليها، والعمل على تطويرها نحو الأفضل، استناداً إلى القاعدة الجماهيرية والاحتضان العربي الذي تنتظره اليونسكو، فنحن اليوم بصدد نقل المشروع من مقره في بيروت إلى عاصمة عربية أخرى تتبنى المشروع وتقوده إلى أفق أوسع” .
في غمرة هذا الجهد المكرس، الذي يتوزع على العواصم العربية، لا يتوقف عبد الأمير عن مشروعه الشعري الذي بدأه منذ سبعينات القرن الماضي، فيتحدث حول آخر إصدارته: “العملية الشعرية تسكنني وتشكل جذراً أساسياً لجدوى وجودي في العالم، وما حماسي ل “كتاب في جريدة” إلا جزء من هذا الهم الثقافي، الذي هو مد الجسور بين المنتج الإبداعي والمستهلك .
عيشه داخل الهم الثقافي كشاعر وكمنصب في مؤسسة ثقافية يجعل الحالة الثقافية العربية تمر أمامه كصور الذكريات، فيصبح قادراً على تقييم حاله، هبوطاً أو صعوداً، فيرى: “أن إحصاءات مستويات القراءة في الوطن العربية تؤكد أن الوطن العربي يسير نحو التصحر الثقافي بخطى ثابتة، ويمضي مبتعداً عن ساحة القرن الواحد والعشرين إلى متاهات الزمن الحجري” .
ويلتفت إلى القضايا التي لم يتوقف المشهد العربي عن تداولها، والمتمثلة في زمن الرواية، وقصيدة النثر، مؤكداً قناعاته التي ظل يصر عليها فيستعين برأي الفيلسوف الفرنسي “باشلار”: “إن الرواية تسير في حركة أفقية، وتمشي مع الأحداث وتتطابق معها، كالقاطرة على السكة، أما الشعر فهو يمضي بحركة عمودية، تتصدى لأفقية الأحداث، وسرديتها، ولهذا يصعب مواكبته، ويحتاج دائماً إلى وقفة واستقراء ستصطدم بحركة الأحداث”، ويؤكد في المقابل “أن قصيدة النثر انتصرت وهي التي ترسم أفق القصيدة العربية في العقود المقبلة”