صالون الجسرة الثقافي يحتفي برواية “دانشمند”

احتضن الصالون الثقافي لنادي الجسرة الثقافي الاجتماعي، التابع لوزارة الثقافة، ندوة بعنوان “التاريخ والمتخيل في رواية دانشمند” للروائي والإعلامي الموريتاني أحمد فال الدين بمشاركة الدكتور الصديق عمر الصديق، والدكتور محمد أحمد محجوب، فيما أدار أطوارها الإعلامي عبدالإله المنصوري.
وأعطى الكاتب والروائي والإعلامي أحمد فال الدين، لمحة عابرة عن روايته، مجيبا على عدد من الأسئلة التي قد تتبادر إلى ذهن القارئ من بينها عنوان الرواية (دانشمند)، والتي تعني عالم العلماء الإمام أبوحامد الغزالي الذي عاش في القرن الخامس الهجري، وكان يُنادى بهذا الإسم، فضلا على أنه ليس شخصية من التاريخ، بل يعيش بيننا وكتبه أكثر مقروئية عبر التاريخ، وعصره يشبه عصرنا بكل تشظياته، سياسيا وثقافيا، لافتا في الوقت نفسه، إلى أنه اختار الكتابة عنه روائيا، نظرا لأن هذا اللون الأدبي، في العشرين سنة الأخيرة، طغت فيه الرواية، وأراد أن يقدمه في ثوب أدبي شائق.

من جهته، أثنى الدكتور الصديق عمر الصديق، مدير معهد العلامة عبدالله الطيب وأستاذ الأدب والنقد بجامعة الخرطوم، بالمنجَز الأدبي لأحمد فال الدين، مشيرا إلى أنه وجد في “دانشمند” معرفة غزيرة بالإمام الغزالي، مسجلا بأن هذه الرواية فيها من الدقة الموصولة بتتبع أحوال العصر وأشيائه الدقيقة، ما جعل الكاتب يبذل جهدا كبيرا، إلى درجة يمكن الإحالة إليها لمن يريد ترجمة الغزالي “فإننا سنقول لهم ارجعوا إلى طبقات الشافعية.. وارجعوا إلى ابن خليكان، وإلى الصفدي وإلى رواية دانشمند.
ونبه الناقد إلى أن المتصدي لكتابة الرواية التاريخية، عليه مراعاة 3 أركان هي الإنسان والمكان والزمان، مع إعمال الكاتب لخياله.

ولفت إلى أن أحمد فال الدين، اعتنى بالتفاصيل الدقيقة والصغيرة جدا، وأنه لم يخالف حقائق التاريخ، مؤكدا أن هذه الرواية تستحق التتويج.
من جهته، دلف رئيس قسم المصطلح بمعجم الدوحة التاريخي والناقد والأكاديمي الموريتاني الدكتور محمد أحمد محجوب إلى نقد رواية “دانشمند”، انطلاقا من العنوان، باعتباره من مداخل معرفة النص واستكناهه، لافتا إلى أن فيه انزياحا عن المألوف، وذلك لغرابته حيث يصدم المتلقي ويدفعه للتأمل التخمين، وخلص إلى أن العنوان الذي يحيل إلى العلامة الإمام أبوحامد الغزالي، هو أعمق دلالة عن البدائل المتاحة (عالم العلماء الإمام الغزالي)، حيث إن للإسم حمولة دلالية وحضارية، فإن كانت الكلمة (أعجمية) فإنها إيحاء إلى حواضر العلم آنذاك في طوس ونيسابور وغيرهما.
إلى ذلك، نوه الدكتور محجوب أن أحمد فال أراد من خلال مقدمته المكثفة أن يأسر القارئ عبر الرسم الفني المقنع للشخصيات عبر 3 سمات، حيث إنها لم تأت على مقاس واحد، وإن لكل شخصية تفردها وطابعها الخاص، فتارة تثير في القارئ الإعجاب، وبعض الشخصيات تثير فيه التعاطف، وفينة أخرى تثير فيه النفور، معرجا على التحديات التي واجهت البطل (الإمام الغزالي)، وأسئلته الوجودية، واعتلائه المنابر عندما يدلهمّ الخطب في أوقات مفصلية مرّت بها الأمة الإسلامية.
وخلص الناقد إلى أن هناك غرضين رئيسين في الرواية، وهما المعرفة والواجب (حدود المسؤولية).. معرفة هذا العلم (الغزالي)، والواجب تجاه هذه المعرفة.

ونوه بأن أكبر تحدٍ واجه البطل بعد التحدي الذي مثلته الوجودية هو انحلال العلم الذي كانت تعاني منه الأمة. حيث إن العلماء الذين يُفترض إنهم حملته، وهم مشاعل النور. فقد كانوا الفأس، والعقبة الكأداء في سبيل صلاح الأمة، ولهذا فإن الغزالي يرى أن معضلة الأمة ليس في العُصاة ولا في الحكام، وإنما في العلماء فـ”الأمة مبتلاة بمرض علمائها”.
وخلص الناقد الموريتاني إلى أننا نرى أن التاريخ رمز برواية بعناية
وأن الروائي يريد إسقاط الماضي على الحاضر إمعانا في نقده وتعرية له.
جدير بالذكر، أن رواية “دانشمند” هي الرواية الثالثة للكاتب بعد “الحدقي” و”الشيباني” وهي رواية تاريخية عن سيرة أبي حامد الغزالي، توسلت بالتاريخ، ولا تسقط في فخاخ الصورة النمطية لأبي حامد، بل تقدم لنا ذاتا إنسانية قلقة حية، وهي إذ تستدعى علامة من الذاكرة، فإنما تستدعيها لتغرس أسئلتها في تربة الحاضر، وتبرز قيمة المعرفة بوصفها طريقا إلى الخلاص.
وعقب اختتام الندوة كرم سعادة السيد خالد بن أحمد العبيدان نائب رئيس مجلس إدارة نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي المشاركين، مشيدا بأجواء المناقشة الأديبة وبتفاعل الحضور الكبير مع موضوع الندوة والمداخلات النقدية