صباح زوين الشاعرة والمترجمة والصحافية تدخل في «بياض الغياب»

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-
بصمت رحلت صباح زوين، من دون أن تثير صخبها المعتاد وراءها. لم يمهلها المرض الذي أصابها فجأة، وقتا طويلا كي تلملم ما تبقى لها من حياة وكتابة، من ترجمات ورحلات، لتترك الشعلة تنطفئ بسكوت، وهي على فراشها، بعد أن كان الهامش ضيقا إلى أقصى الدرجات.
ربما قليلون هم الذين عرفوا بمرضها. لم ينتبه أحد إلى غيابها القسري، على الرغم من أنها لم تكن يوما صموتة ومتوارية، بل كانت في نقاشاتها وانفعالاتها ومعاركها الثقافية (وغير الثقافية) تثير الضجة الواسعة، ولا تتوقف عن إشراك الجميع معها، وكأن عليهم أن يختاروا إما أن يكونوا معها وإما ألا يكونوا مع الآخر. ما من حلول وسطية عندها. كانت كتلة من الانفعالات التي لا تواريها، ولا تحاول أن تخفيها، وكأنها كانت تذهب بنفسها إلى «بيت النار».
هذه الإقامة الدائمة في «بيت النار»، لم تكن فقط في جدالاتها، بل أيضا في كتاباتها الشعرية، ومنذ البداية. هذه البداية التي جاءت عبر سلسلة من الكتب بالفرنسية، حيث بدت وكأنها تؤسس لمشروعها الخاص أكثر مما كانت تبدو كأنها تكمل سلسلة من الشعر اللبناني المكتوب بالفرنسية. ما أقصده أنها افترقت عمّا عرفناه فعلا عمن جاؤوا قبلها وكتبوا بالفرنسية شعرا. وربما هذا الافتراق ما جعلها أيضا تعيد النظر «بلغتها» إذ سرعان ما تحولت إلى الكتابة بالعربية.
شعرها بالعربية، كان يقف على ناصيتين، من ناحية كان لا يزال يحمل رواسب تجربتها بالفرنسية، ومن ناحية أخرى، تخطت العديد من تشظيات الحداثة الشعرية العربية، لتجد لنفسها لغة خاصة وموضوعات خاصة بها: فمن البحث في اللغة، كما عرفناه في كتبها العربية الأولى نجد ثيمة كبرى اشتغلت عليها في الكتب اللاحقة وهي ثيمة المكان. وفي رحلتها داخل هذه التجربة الكتابية كانت تقول إن الوقت تكدس ومعه تكدس بطبيعة الحال زمن الكتابة. والكتابة التي وصلت إليها في كتبها الأخيرة كانت تعتبر أنها ليست خلاصة لما قامت به سابقا بل هي وجه من أوجه اللغة التي شغلتها واشتغلتها على مدى أكثر من ربع قرن وعلى مدى أكثر من 10 كتب.
لم تكن تُسمي كتبها سوى تجارب، كانت مشدودة كثيرا إلى هذه الكلمة التي صعدت ونزلت معها، كما قالت ذات يوم في أحد حواراتها مع «السفير»، وأضافت: «عبر كل منحدرات وتضاريس اللغة التي حاولت أن أقبض عليها ولم أستطع فأهلكتني. والتعبير عن هذا الهلاك أو هذا الصراع مع اللغة أتى عبر درجات وشيئا فشيئا على مدى كل هذه الكتب».
قولها هذا يحيلنا على أمر أساسي في الكتابة الشعرية: إنها عملية بحث دائم عن معنى الكتابة نفسها، أي كأن لا شيء منجزاً إلا بقدر ما يتحقق عبر النص.
هذه هي المشكلة والإشكالية في الكتابة عند صباح زوين، إذ كانت لا تعتبر الكتابة سوى فعل، تتصارع بشكل دائم ومضن مع اللغة، من هنا حاولت باستمرار أن تجد «الكلمة النهائية» أي أن تجد منتهى الكتابة وصفاءها أو ربما الكلمة في المطلق، هذا ما يجعلها تلهث دائما وراءها، وبتعبير آخر، هذا ما جعلها تواصل الكتابة.
ربما واصلت الكتابة إلى آخر لحظاتها، لكن للأسف الحياة تنتهي، وفجأة وبكثير من المرارة. مرارة أن تغادر بسكوت.