صناعة الخصوم وترتيب الأدوار/ عبد المجيد جرادات

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص – 

         نوقش هذا العنوان من قبل المدارس الفكرية والسياسية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية منذ منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي بعد أن تعمقت الأزمات الاقتصادية في الإتحاد السوفيتي (سابقًا) وبات الروس يقفون في طوابير طويلة للحصول على أهم أساسيات عيشهم، وآنذاك تيقنـّت دوائر صنع القرار في الغرب بأن تهديدات المد الشيوعي لمصالحهم في العالم العربي بطريقها للتلاشي. 

 

       في ذلك الحين، تم التفكير من قبل المعنيين بالتخطيط الاستراتيجي في الغرب بأمرين: الأول: إلى أي مدى يُمكن تبنـّي سياسات جديدة تحمي أمن أسرائيل بعد أن تبلورت الروح النضالية عند أبناء الشعب الفلسطيني بالاتجاه الذي يمكنهم من استرجاع حقوقهم المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني، الأمر الثاني هو: من هي الجهة التي تمتلك “الروح العدائية” للغرب، وهل سيكون بالإمكان إحتوائها، وإن تعذر ذلك كيف ستتم مشاغلتها؟

 

       استندت الفرضية الأولى على ضرورة إحياء التناقضات التاريخية المرتبطة بالمذاهب والمعتقدات الدينية، وقد تمثلت عوامل القوة في هذه الفكرة بحكم “واقع التنوع الاجتماعي” السائد في معظم الدول العربية، وبوسع الذين تابعوا تطورات الأحداث البدء من أفغانسان، بعد أن نودي ” للجهاد” مع أن الخطة الموضوعة هي أميركية، وهدفها المنشود هو “إنهاء التواجد الروسي”، في تلك البقعة.

 

        لا نذيع سراًعندما نقول بأن الفصائل التي حاربت التواجد الروسي في أفغانستان، ارتبطت بعلاقات تنظيمية وتمويلية مع الغرب، والسؤال هنا هو: لماذا تبدلت هذه العلاقة، وتغيرت الأحوال للحد الذي استدعى مطاردة البعض وتصفيتهم في جنح الظلام؟

 

      من الواضح بأن نسبة كبيرة من المسلحين الذين انخرطوا ضمن تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وجدوا أن العودة لبلدانهم لن تفيدهم، وفي ظل مرحلة التحولات الاقتصادية المعاصرة في بلدانهم وتخلي الحكومات المحلية عن دورها الفاعل في الإدارة الاستراتيجية للموارد المالية والبشرية، فقد وجدوا أن المضي بهذه الحرفة هو الأفضل بالنسبة لهم، وبدأت أفعالهم تسير بالاتجاه المعاكس للجهات التي دعمتهم، لتكون الانقسامات الداخلية فيما بينهم، وما نتج عنها من ولادة أو تفريخ حركات جديدة (داعش) والتي سمح لها بظروف غامضة دخول الأراضي السورية، والسيطرة على ثلث أراضيها، ثم تقرر قبل أيام الزحف ًنحو عدد من المدن العراقية وتدخلها بدون أية مواجهات؟ 

        في اجتماع قادة دول حلف شمال الأطلسي، الذي عقد بمقاطعة (ويلز) قي المملكة المتحدة يومي الرابع والخامس من هذا الشهر، وضعت ترتيبات لتهيئة طائرات أميركية بدون طيار للشروع بتوجيه ضربات جوية لحركة داعش. نشير هنا إلى أن كلفة هذه الطائرات ستصل إلى حوالي (سبعة مليارات دولار) وبموجب الخطة الموضوعة، فسيتم دعم قوات البشمركة، وتعني باللغة الكردية (حرس الحدود) بكل ما يلزمها من معدات قتالية لتتمكن من دحر(داعش) وإخراجها من المدن العراقية، ولم يتم التطرق لمصير هذه الحركة في الأراضي السورية، حيث استولت على منابع النفط في شرق سوريا، وتقوم بتسويقه بالتنسيق مع دول إقليمية، لا يروق لها بقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

 

      بناء على تقييم معظم الخبراء، فقد مُنحت حركة داعش، تسهيلات خفية، وأعطيت من الأوصاف أكثر مما تستحق، وبالمحصلة فإن مخرجات أفعالها، ستوظف لتحقيق جملة أهداف  نحسب أنها لا تخدم المصالح العليا لأبناء هذه الأمة على المدى المنظور وهي على النحو التالي:

 

      أولاً: يتعارض السلوك الذي مارسته بحق أصحاب الديانات الأخرى مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وهي إساءة صنفت “داعش” على أنه يُمثل الإرهاب الحقيقي، والخصم الذي يتوجب ملاحقته في ظروف يُعاني فيها العرب من حالة تداخل مربكة، وهنالك أزمات متراكمة، لها آثار سلبية على الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي بمعناه الواسع.

 

     ثانياً: في معادلة التنوع الاجتماعي والديني والعرقي، نجد أن جذور أصحاب المذاهب التي بدأ التركيز عليها مثل الأزيديين والصابئة، تضرب في أعماق التاريخ في مدنهم أو قراهم، وهي خطوة تتعارض مع منظومة القيم التي تعكس الوجه الحضاري لتعامل بني البشر مع بعضهم البعض: ويبقى الشيء الأخطر في “ظاهرة داعش” وهو الخشية من أن ما تقوم به ينسجم مع ما تحدث به مفكر يهودي قبل عقدين ونيف من الزمن عندما قال بأنه يتمنى أن ينشغل العرب بخلافاتهم، وعندها تتراخى الهمم حول مجرد المطالبة بدولة فلسطينية على تراب وطنها المحتل.       

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى