صُوَر مخيم اليرموك في رام الله.. للحلم بقية

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-

لم يكن يعلم «نيراز سعيد»، حينما كان ينتقل بكاميراته في المخيم ملتقطاً حساسيات الحصار ومترجمها فوتوغرافيا، أن تلك الصور ستعرض في فلسطين/ حلم العودة، لهذا اللاجئ الفلسطيني المحاصر في مخيم اليرموك. أكثر من خمسين صورة ضوئية ستكسر الحصار المفروض على أصحابها في اليرموك لتنطلق بهم إلى متحف محمود درويش في رام الله في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، مندرجةً تحت عنوان «للحلم بقية» تحمل أحلام الآلاف من فلسطينيي اليرموك في فك الحصار والعودة إلى فردوسهم المفقود.

«في الوقت الذي وُجهت فيه الكاميرات في المخيم إلى الأحداث العامة، وجهت عدستي تجاه التفاصيل الصغيرة التي تشكل حياة المخيم المحاصر». الأزقة الضيقة والمدنيون المهمشون الذين يدفعون الثمن الباهظ من هذا الصراع هي التفاصيل التي ترصدها عدسة سعيد. ففي حين نجح الفوتوغراف في تصوير حالة المخيم اليومية ونقل الحدث إلى خارج أسوار المخيم المحاصر، وساهم في توثيق آلام الآلاف من المدنيين الذين كانوا يموتون جوعا، تفرد فوتوغراف سعيد في تجاوز وظيفتي الإخبار والتوثيق نحو رصد حالة جمالية، مكوناتها مآسِ فردية، تشكل مجتمعةً صورة شاملة لمأساة اليرموك في الحدث السوري.

«أرى أن الصورة الحقيقية في مخيم اليرموك كانت أصدق من الكلمة، لذلك اخترت أن ألتقط الحالة في مخيم اليرموك من منظور آخر. وهو ما بعد الحدث». فصور سعيد لا تقف عند حدود نقل الحدث إنما تتعداه للبحث في ما وراء هذا الحدث من مآسٍ وآلام. يضيف: «غفل الإعلاميون داخل المخيم عن المعاناة الحقيقية للناس، مثلا طغى عليهم حدث إدخال المعونات إلى المخيم، في الوقت الذي ما زال الكثير من المهمشين يموتون جوعا في بيوتهم. هؤلاء المهمشون هم موضوع صورتي». تشرح كلامَ نيراز هذا صورةٌ له عنوانها: «الملوك الثلاثة»، تصور ثلاثة أطفال حليقي الرؤوس، بادٍ على محياهم المرض والجفاف، ينظرون إلى طابور استلام المعونات، وعلى وجوههم المتعبة أمارات الضحية العاجزة عن امتلاك لقمة عيش تؤجل موتهم يوما آخر.

في موقع آخر يصور سعيد كلباً ضعيفاً ينظر إلى إحدى جنازات شهداء الجوع في اليرموك، عبر التركيز بفوكس الكاميرا على الكلب. ترتبط تلك الصورة بحدث إعلان أكل لحم القطط والكلاب في اليرموك، بسبب نفاد المواد الغذائية تماما. إن جمع كادر الصورة لكل من الكلب الضعيف الجائع ونظرته إلى من مات جوعا تجلي علاقة قد لا ينقلها الخبر. بعبارة أخرى. إن الكلب هـنا يرى أن دوره قادم، في مكـان صار مهددا فيه، وفي الوقت ذاته تصـور شكل العلاقة الجديدة التي أفرزها الحصار بين الإنسان والحيوان، إذ لم يعد الكلب هنا حيواناً يتخفى في نهارات اليـرموك العامرة، إنما أتاحت له الشوارع الخالية تسكعا مريحا قبيل الموت أكلاً. هذه القسوة التي تحملها الصورة، تُخرج فوتوغراف نيراز سعيد من إطار المحلي إلى الإنساني العام، فالصورة هنا تثبّت الزمن للحظة، كي تعيده لذهن العالم كلما نسي ما حصل في المخيم.

يحمل المعرض دلالة سياسية تؤكد التواصل الحاصل بين داخل فلسطين والشتات، حيث يتجلى هنا حضور اليرموك كجزء لا يتجزأ من الصورة الفلسطينية، وذلك ما يؤكده كلام سعيد: «ساهم العرض في رام الله برعاية المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، في تكريس مقولة لطالما تبنيتها وهي أن أزمة المخيم لا تتلخص بالحديث عن الجوع وكرتونة المساعدات وحسب، إنما هي قضية الإنسان الفلسطيني من صرخة طفل مشرد إلى نظرة أمٍ ثكلى تحمل بداخلها التاريخ الفلسطيني كاملاً».

لا شك في أن من يصنع ثقافة الآن في المنطقة العربية هم أولئك الذين يمكثون في بلادهم ومناطقهم ومخيماتهم، يعيدون إنتاج الجحيم الذي يحيون به، ليغدو لوحةً فنية تؤكد للعالم أجمع أنه ما زال «للحلم بقية» لم تنته بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى