طائر الفينق.. على شواطئ الفرات.. فاطمة منصور هنا!

الجسرة الثقافية الالكترونية
*علي حسون لعيبي
عندما نقرأ أي نص أدبي رصين يتبادر لنا، أولا العمق الفكري له، وثانيا لغتة، وثالثا أسلوبه. ومن خلال ذلك نقيم جودته في قبوله أو عدمه. بديهيات أولية، لكنها مهمة جدا وخاصة في عالم الشعر الجميل.
وهذه الشاعره اللبنانية فاطمة منصور استطاعت أن تمسك زمام ناقتها وتجعلنا نكمل مسيرة قراءة نصوصها في ديوانها الموسوم “حينما يحلق الفينيق بقيثارة سومرية” مع زميلها الشاعر عدنان اللامي. افق راق من الابداع المشترك.
هي امتلكت القدرة على الابتكار والتميز. ينفخ في روحها ملاك الشعر ليستودع فيها فيضا تلقائيا ولغة تحاكي الذات وتخرجها من المساكن الساكنة, فهي لا تتبع النظريات بل تبلغ روعتها عندما يمسها همس العواطف فتتعانق تعبيراتها لمصنعها الشعري فاتلون كلماتها مرة تستثير فينا الأسى والحزن، ومرة تضعنا على أطباقها الشهيه في أسلوبها الانيق الفرح، مليئة بعناصر التشويق واللذة القرائية ليس لكونها مرهفة الحس بل هي تستكشف الصافي وتطهر كل ما تمسه بنقاء وبهاء مغرمة أشد الغرام بهذا الهيام السماوي.. فتقول:
انا الناسكة المتعبدة في العشق
انا الجموح في حدائق الصباحات
انا الندى النازل على مرايا النسائم
على يدي تحط العصافير
تشرب النعاس وتأكل ناياتي
اغسل وجهي على وجل الصبوات
انا من اساطير الزنابق الحاكية
من سحاب ماطر في أفق اللهاث
من مثلي يستلف الضحكة من ربيبات النوائح.
نصوصها تمتلك من القوة والرصانه الكثير لأنها تمتلك العمق الفلسفي والفكري للنص. والاهم أنها تمتلك ادوات التطوير في الاساليب الكتابيه والبحث عن معالم ما يعج به خزين ومكنونات من جماليات متطوره وتراكيب الجمل والاشارات والترميز الذي يحمل فسحة لتأويل والتفسير.
بدأت ملامحها الشعرية الجديدة تتضح أكثر بعدما دخلت في المناطق الصعبة والتي يتطلب فيها تطويع اللغة والمعاني لتنوير أفق القصيده الحديثه وتشذيبها مما علق بها من إبهام صعب علينا الافهام ومن التطويل الذي أبخس علو التكثيف في استظهار المعاني والتراكيب الجميلة.
إن إعادة خلق التجربة الشعورية من خلال الآثار الشعرية وتقلبات المرافقة لها وجمع الذهن الذي أنتج الأثر مصحوبة بالاحساس الذي يمنحها الروح الشعري جعل من مخلوقها الأدبي وصلات سحرية نسمعها بطربية رومانسية عالية يخلب لباب القلوب. ومهما بلغت من الدقة والاحاطة لا أستطيع أن أتمعن في أعماق الفن الكتابي، بما فيه فضاء اقتناص اللذات ومبادئتها بالحركات ولمحات المعبرة والاشارات البليغة ناهيك عن خصب الخيال ونفاذ البصيرة كأني أرى المنصور تمشي على لهيب من المشاعر وهي بلا شك شاعرة نسجت اسمها بهذا النمط والاسلوب الرقيق الخفيف الناعم. ونرى ذلك حين تقول:
بريئة أنا …
أحدُ اصابعي امتد اليك يتلمسُ حباتَ الرمانِ …
وتردف القول (يكفيك هطولي
فعروقي أنبتت طفلا مشاكسا في حبة غثيان
فخذيني يا حمرة الوحل لرحيق الملائكة.
لقد استمتعنا بهذا النفحات ووصلني عطرها الطيب, وكم هو جميل هذا المخلوق الذي يطرق عليك الباب ليطبع قبلة حميمة فمتزج الاشياء الذي يوحدها الحب بتلك التركيبة السحرية التي تستمد سماتها وصفاتها من مجموعة مركبات تتفاعل بسرعة حتى تعطينا نتاج الوعي والبصيره والمخيال مع الصفات المتضادة والمتنافره كون الشعر رؤيه وتأمل العقل للاشياء وتعاكسها مع كل ما يحيط بها من تجارب حياتيه كي تتستفزها لاكتشاف كنة الحقائق أي حقائق.
وهذا ما عملت به الشاعرة المنصور فهي تقترب من الحواس وتحمل قارئها على التفكير وتثير إحساسه وتلهب خيالة كونه شريكا مصدقا ان وانت تنشدين آيات الجمال ورقة الاحلام والرومانسية على جدائل الزمن الضاحك الباكي وانت سيدته ملكة لك حاشيتك من معين كلماتك الطافحة في المشاعر والاحاسيس. سلمت شاعرة الجبل والفراشات والينابيع الصافية.
هكذا حلق طائر الفينيق على شواطئ الفرات وهو يحمل سر أناشيد من الحب والجمال.
المصدر: ميدل ايست اون لاين