طارق إمام: أعمل واستقالتي في جيبي

الجسرة الثقافية الالكترونية
*أحمد ندا
المصدر: العربي الجديد
طارق إمام، أحد الأصوات الروائية المختلفة في مصر، فهو “حكّاء” استطاع عبر تسعة كُتب بين مجموعات قصصية وروايات أن يكوّن صوتاً خاصاً يعرف كيف يكون التجريب في البناء السردي مساحة للقبض على الخيال بإحكام.
إضافة إلى هذا فإنه الناقد الذي اهتمّ على نحو خاص بالكتابة عن التجارب الجديدة في جيله والجيل الذي يليه، فجاءت معظم مقالاته النقدية على مدار عشر سنوات أو أكثر لتتناول أعمالاً أولى أو باكرة لكُتّاب يفتشون عن مكان وسط الزخم الإبداعي الموجود في مصر منذ بداية الألفية الثانية.
اليوم، وفي سابقة من وزارة الثقافة المصرية التي تكلّست بالتقادم، تم تعيين طارق إمام مديراً لتحرير مجلة “إبداع” والروائي محمد المنسي قنديل رئيساً لتحريرها، خلفاً للثنائي أحمد عبد المعطي حجازي وحسن طلب، اللذين ظلّا قابضين على أمور المجلة لأكثر من عقدين، حتى ظنّ المتابعون أنهما باقيان للأبد، خصوصاً وأنّ حجازي واحد من أصنام الوزارة بتعدد مناصبه وتعاقبها، وحربه القديمة المتجددة ضدّ قصيدة النثر.
عن سؤاله عمّا إذا كان أول مدير تحرير “تحت الأربعين” في مناصب وزارة الثقافة يقول إمام: “أعتقد أنّ هذا صحيح، وأتمنى ألا تثبت التجربة أنّه كان شيئاً شديد السوء”. أما عن تجربته الصحافية التي تزامنت تقريباً مع بداية مسيرته الإبداعية، فيحكي صاحب “هدوء القتلة”:
“فكرة أنّ الصحافة تقتل المبدع “كليشيه” كبير من وجهة نظري، خصوصاً في بلد مثل مصر، كل المهن فيه قاتلة، فأن تعمل صحافياً هو شيء أفضل بكثير من أن تعمل مدرّساً أو محامياً أو محاسباً (ما العنصر الذي يوقظ الإبداع في هذه المهن وتخمده الصحافة؟) يتساءل إمام، مضيفاً “أعمل صحافياً بمجلة الإذاعة والتليفزيون القاهرية، في التحرير والمراجعة الصحافية، وعملت لفترات في عدد من الصحف كانت أبرزها تجربة “البديل” في إصدارها الأول، إذ انضممت إليها منذ لحظات التحضير الأولى لإطلاقها، في القسم ذاته. أستطيع القول إن تجربتي الصحافية تكاد تكون هي عملي هذا”.
ويضيف: “بالطبع لقد اشتغلت في معظم فنون الصحافة من الخبر الصحافي إلى التقرير فالتحقيق وكذلك المقال، لكني أعتبر نفسي محرّراً وأحب هذه المهنة رغم صعوباتها الكثيرة، بدءاً من إنكار ذاتك تماماً لصالح “ذوات” أخرى، ومروراً بالمصاعب التقليدية التي تواجهك وأنت تصنع أحياناً “من الفسيخ شربات”. أجمل ما في هذه المهنة أنّها تعلّمك احترام عجز الآخرين، وتشحّذ فيك شيئين: القراءة بإيقاع أسرع وأدقّ، والوصول إلى المعنى عبر أكثر الصياغات مفعولية وقدرة على التعبير”.
وعن علاقته بوزارة الثقافة، يشرح إمام: “بالنسبة لوزارة الثقافة المصرية، فإن علاقتي بها تقتصر على العام الأخير تحديداً، فلم تكن لي بها من قبل علاقة تذكر سوى المشاركة كروائي أو ناقد في بعض المؤتمرات”، مبيّناً “لقد وافقت على الانضمام للجنة القصّة بالمجلس الأعلى للثقافة ثم اعتذرت، بعدها اختارني جابر عصفور في اللجنة التحضيرية لـ “مؤتمر القاهرة للرواية” الذي سيعقد في آذار/ مارس القادم، وكان ذلك قبل أن يصبح وزيراً للثقافة، حيث كان في ذلك الحين رئيساً للجنة. وأخيراً جاء اختياري كمدير تحرير لمجلة “إبداع” في الوزارة”.
وعن علاقة المثقف بالمؤسسة الرسميّة بشكل عام، يشرح إمام “في رأيي..إن الخصام المجاني مع وزارة مثل “الثقافة” يشبه بالضبط التماهي المجاني معها، الحياة قائمة على الجدل.. وطالما أنت حرّ فلن تخسر. أنت “تتعاون” إذا دُعيت، طالما لا يمثل ذلك خيانة لقناعاتك، وترى الإمكانية المتاحة لعمل شيء جيد ومختلف. فإن مُكّنت من ذلك “أهلاً وسهلاً” وإن لم يكن فإلى اللقاء في تعاون آخر. بهذه الروح أعمل في مجلة إبداع”، ويضيف إمام مؤكداً “إنني أعمل واستقالتي في جيبي”.
الآمال المعلّقة على تجديد دماء المجلة كبيرة، والمنتظر من وجود شاب متحقق إبداعياً مثل إمام تجعل العيون عليه، في انتظار إصدار شبابي للمجلة يشبه أكثر هذا الجيل، وعن هذه الآمال يقول “لا أخفيك، سعدت بذلك الارتياح الكبير لتورطي في هذه المهمة، وارتعبت من حجم الآمال والتوقعات، رغم أن آمالي الشخصية لا تقلّ طموحاً في تقديم مجلة ثقافية شابة وطازجة معبرة عن التيارات التي يمور بها المشهد الثقافي الذي ينتظر مجلة “جديدة” بكل ما تحمله الكلمة من معنى. مجلة تلتفت للتجريب وتعمل على تقديم أصوات جديدة نقدياً وإبداعياً وهذا جزء من دورها، لا تحتفي بالمكرّس لمجرد أنّه مكرّس، لكن لمن يملك الجدارة من بين الأسماء الموجودة، تسائل الواقع الثقافي وتجيد طرح أسئلته في الوقت المناسب”.
وعن التغيرات التي سيلحظها القارئ في العدد الجديد يقول إمام “بشكل شخصي أسعى لأن نجعل المجلة تشبه اسمها، فالإبداع لا يعني الأدب فقط، وإن كان الأدب هو الأساس بالطبع، لكن ستكون هناك مساحات حقيقية للموسيقى والسينما والمسرح والفنون البصرية. أتمنى أن ننجح في خلق صيغة تشبه ما نحياه وألا نكرر الأخطاء التي جعلت من المجلات الثقافية جُزراً مغتربة في مصر، وكُتاب المجلات الثقافية أكثر من قرائها، أتمنى أن ننجح في زحزحة هذه المعادلة قليلاً”.
يدير صاحب “شريعة القطة” المجلة مع رئيس التحرير الروائي محمد المنسي قنديل، وهو تعاونهما الرسمي الأول مع أحد مشاريع وزارة الثقافة. وعن تفاصيل العدد الأول وعثرات البداية يقول إمام :
“بدأنا التعاون فعلاً وتقريباً أنهينا تجهيز العدد الأول. أتممنا تبويباً جديداً وفكرنا في تقليص مساحات الدراسات الأكاديمية الثقيلة التي تضطلع بها مجلة كبيرة مثل “فصول” التي تصدرها المؤسسة نفسها وهذا هو دورها الرئيسي الذي لا يمكن أن تنافسها فيه “إبداع” ولا يجب أن تفعل. فإحدى إشكاليات المجلات الثقافية، كما اتفقنا، أن جميعها تقدم الوجبة نفسها، في حين يجب أن “تتكامل” بالتفات كل منها لخصوصيتها وإدراكها لدورها الأصيل.
من هنا سيحتل “الإبداع” كتابة وترجمة دور البطولة، وسنفسح مساحات كبيرة للكتابات الخارجة على التصنيف التقليدي والتي لا يستوعبها التبويب الصارم للمجلات الثقافية. جهزنا أكثر من ملف (أولها عن فضاءات “ثورة يناير” في العدد الأول) نتمنى أن يرى فيها القارئ جهداً مختلفاً بدءاً من المعالجة وحتى طبيعة الأسماء المشاركة. كذلك ثمة مساحة للتيارات الثقافية و”الصرعات” الجديدة في العالم كله بمعناها الشامل، تقدم معرفة بما يمور به العالم لحظة بلحظة. الإخراج الفني أيضاً نأمل أن يلعب دوراً كبيراً في تقديم مساحة بصرية حقيقية للقارئ، وهو ما يعمل عليه الفنان الشاب “عمرو الكفراوي” المخرج الفني الجديد للمجلة”.