«عاصفة الجن» لخليل حشلاف.. كُره الذات

الجسرة الثقافية الالكترونية

طلال مرتضى 

 

خليل حشلاف، الكاتب الجزائري، يُقدّم عمله الثاني «عاصفة الجن» («دار طوى» و «ميم للطباعة والنشر»، الجزائر 2015)، بعد مجموعته القصصية الأولى «كاتب الديوان». في مغامرته السردية المفتوحة هذه، المنجز المتكئ على وسادة «السيرة الذاتية» الوثيرة كما دوّنها التاريخ الأدب، مع تباين سياقاتها وحقبها المعرفية والمجتمعية، لا سيما من خلال رسم خطوط سيرها، انطلاقاً من نظرية المعرفة، وبعيداً عن الإيغال في تفكيك نفسيات شخوصها، محيلاً ذلك من قناعة مترسخة أن «غراز» مدينته ليست فاضلة أفلاطونياً، وأن لبوسها الجديد «جماعة الأخوان» زاد من وحشتها، هم الذين أرادوا تطبيق شريعتهم بالترهيب، وذلك باسم الله، في بلد يُعَدّ النافذة المنعشة لأوروبا (الجزائر). لعب الكاتب دور الرائي الراصد، مُصوِّراً شخوصه بكل ثيماتهم وعلائقهم بغثّها وثمينها، ليوحي لقارئه بأن ما يحدث هنا ليس إلاّ صراعاً خفياً بين الذات والذات: الذات الطموح/ الشريرة/ العاشقة/ الحالمة، ومردّه حالة كبتية بحتة متوارثة، تخلق نزاعاً خفياً داخل الروح أشبه ببركان خامل. فعندما كان الابن المتشدد يمرّر لأبيه جرعات متتالية من الزرنيخ في طعامه، لم يكن هذا نابعاً من عقوق والده، إلاّ أن الأخير رفض الانصياع لإرادة المشايخ، معترفاً ببرودة: «أنا من وضع له الزرنيخ، علّ الله يغفر له». الصراع بين الواجب والذات، قصة تعاطف المحقق مع المتهمة بقتل أبيها، العلاقة العابرة مع بشيرة، وتلك المرأة التي تتردّد إلى مقرّ عمله، والشاب الذي تلهبه ابنة الجيران الباحثة عمن يُفرغ لها شهوتها، لكن قناعته بأن لا يستنفد ماءه في هذا الوقت جعلته يكظم رغبته، لكنه ذات ملامسة معها، قال: «نلفّ أصابعنا في تشابك كهربائي. كانت بهجتنا غير متناهية. همسات تتواصل فيها روحانا. وعلى حافة كل أصبع مدملج بآخر، نسترق شيئاً من الشهوة، تتبلل سراويلنا الداخلية، إذ نقرّ لبعضنا بذلك».

في الوقت نفسه، عندما يأوي إلى خلوته، يمارس العادة السرية بنشوة، ليعود إلى الصراع وتأنيب الذات. وليبرر ذلك، يستقوي بقول العالم النفساني فرويد: ممارسة العادة السرية تحدث عندما يكون الإنسان نرجسياً، بل كانت تنزيهاً لحبّ من كلّ أدران الجسد. على الرغم من فصامية شخوص المروية، بسبب انشغالهم في صراعات ذاتية، استطاع الكاتب، في نص متماسك فرض محاوره وخطوطه الثابتة والمتحولة، تمرير أفكاره بسلاسة متناهية، عبر منولوغات ناعمة: «تفقدت وجهك الملائكي بأصابع مفتونة. تلمستُ شكل نهدك ورسمته مرات عدة حتى تلاشى العالم من حولنا. لم يبق إلاّ أن أدخل آمناً إلى جنتك. كنت أبلّل أفخاذك بماء زلال. كانت تآوهاتك دليلي في ليل شعوري المظلم»؛ ليصل إلى حالة من الغيبوبة مشكلاً حسب قوله: «حيث الشمس رئيسة الأوركسترا، وطنين الذباب اللازمة الوترية».

«عاصفة الجن» وضعت يدها على الوجع من خلال قرع باب تخلّفنا وجهلنا، مصوّرة كيف نلوذ لموروثنا القديم لتنزيه أنفسنا من الخطيئة، كما كان يفعل بطل الرواية. وهروباً من تأنيب الذات للذات، والعودة إلى كتب السلف، لمعاودة كرة إشباع غريزته: «رحت آكل شفتيها ولم تحاول إطلاقاً منعي أو حرماني من لسانها. أثناء ذلك، تلمّست صدرها باحثاً عن نهدها، فوجدت أنه يتربّص بي عند باب صدرها، إذ يطل بحذر، فقد خرج من الحمّالة، ولم يصدق أنه في يدي. ما إن جاءت تلك اللحظة العظيمة، حتى فاضا كالزبادي».

تلك «عاصفة الجن»، تذرو الغبار لولبياً، دوامة ريح، تدور وتدور من مكان إلى آخر.

 

المصدر: السفير 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى