عبدالرضا السجواني: بهجة يتخللها التراحم بين المجتمع

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-
يحاول الكاتب الإماراتي عبدالرضا السجواني وهو من رواد فن القصة القصيرة الإماراتية، أن يفلسف علاقته بشهر رمضان، وذلك، من خلال منظور جد خاص، قوامه تداعيات مرحلة الطفولة، وتداخلها مع اللحظة، عبر رؤيا بانورامية مميزة .
يقول السجواني: ما أن يحل شهر رمضان على الواحد منا يصاحبه نوع فريد من الاغتباط والسرور، قد لا يتكرر ذلك في بقية الشهور من السنة الواحدة، ويتألق هذا الشهر الفضيل عبر مخيلتنا فتشتعل ذكرياتنا لتلح علينا، لنستعيد أيامنا التليدة على هامش أزقة أحيائنا القديمة وساحاتها وليالينينا المتوهجة برمضان، وألعابنا المختلفة وجرينا المتخللة إياه ضحكاتنا وقهقهاتنا المتعالية، امتداداً إلى سوق “العرصة” الذي لابد أن يجلب جديداً من البضائع تتناسب مع رمضان والمقهي الشعبي الذي يتصدر السوق والأطعمة التي تزين الجلسات، والأطفال الذين لا تطول جلساتهم في المقهى حتى تجدهم قد انتقلوا إلى مكان آخر في الحي نحو مجال يسمح لهم باللعب والمرح بمصاحبة أطفال آخرين، وينتشي البحر في تجمع الناس جهته خاصة في بعض المقاهي البسيطة . والنسوة لهن مجال كبير لإعداد الأطعمة المختلفة ومهمة توزيعها على البيوت وكثيراً ما تكون الأسر البسيطة، أول من تصلها هذه الأطعمة، ترجمة لروح هذا الشهر السمح المتميز بمساعدة الفقراء والوقوف إلى جانبهم ومد يد العون لهم .
لتلك الأيام “في الخمسينات” من القرن المنصرم تحديداً عبق فريد لم يزل يخترق مداعباً أرواحنا حيث الجامع الكبير الذي يتألق أكثر في شهره المتميز ويسمو القرآن بآياته فيه ويتجلى الترتيل ليل نهار، حتى المجالس المتعددة في البيوت للقرآن النصيب الوافر فيها، حياة لها رونقها آنذاك تزهو بهذا الشهر وكم من مشكلة أو معضلة لاقت المخارج والحلول الجذرية، وكم من قضايا صغيرة لأفراد أو أزمات وجدت من يحتضنها ويتولاها لتلقى النور والسرور بالانفراج والحلول المجدية لأنها وجدت رجالاً ديدنهم الحكمة ورجاحة العقل ومعرفة حقوق الله ونبذ الأنانية والتفرقة والتفكر بمصلحة الغير وإيثار مبدأ الصلح وطريق السلم وما إلى ذلك من مميزات الحياة الاجتماعية المتكاتفة المتميزة بالسعي نحو مصلحة الغير، لعلني بعد ذلك أتناول قلمي لأخط “بنهم” وإسهاب كبيرين معبراً عن نفوس وأفئدة شخصيات نادرة احتضنتها أمكنة اعتيادية وادعة، ولا ينسى أي واحد منا مدى الاستعداد النفسي للتكيف مع الصيام في شهر رمضان سواء كان في أشهر الصيف أو أشهر الشتاء، إذ الفرد يتأقلم متحملاً ظروف الطقس في الحالتين .
إن روحانية هذا الشهر وحالة الصائم وخشوعه وذوبانه في ذات الله تضفي على حياته جهاداً من نوع فريد لا يختلف عن الجهاد في ساحة القتال وتلك هي الحقيقة الرائعة من معرفة ماهية شهر الصوم والمغري الصحيح من الصيام، في هذه الفرحة التي تكتنز ذوات الفقراء والمساكين، واليتامى خاصة، عندما تمتد إليهم أيادي العون والرحمة من قبل الآخرين البسطاء أيضاً ويتمثل ذلك في ثوب جديد للعيد، لطفل أو طفلة يتيمة لا عائل لهما لإدخال السرور إلى قلبيهما ورسم الابتسامة العذبة على شفتيهما، وقد يكون ذلك عبر هدية بسيطة لطفل فقير مسكين تكون في حضنه يلعب بها في سرور، تماماً كما تحظى الأسر الفقيرة والمعدمة من نصيبها من الرزق يومياً طيلة شهر رمضان، وكما يحصل “المسحراتي” على نصيبه من الوجبات والمساعدات نظير تطوعه لعمله المضني في إيقاظ الناس، فما بين البحر والسوق القديم وتلك البيوت الطينية منها والسعفية والقهوة الشعبية ومرابع طفولتنا ومرور الآخرين – نسوة وأطفال – محملين بالزاد والأطباق المتنوعة والرائحة الذكية الصادرة منها ثمة صرح وارف متألق لم يزل على عهده من التألق كعظمة البحرتهفو قلوبنا إليه أبداً في اشتياق، ألا وهو المسجد الكبير .