عبدالله السبب: منطلق لحكايات الطفولة الساحرة

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-

يضع الشاعرالإماراتي عبدالله السبب إصبعه على محاور ذاتية وروحية كثيرة، وهو يستذكر شهر رمضان الفضيل، من خلال الاعتماد على الذاكرة التي تربط بين الأمس واليوم، يقول: كل ذاكرة على الله رزقها، ورزق ذاكرتنا مجموعة متلاحقة من المعلومات والحكايات التي اكتسبتها في حياتها، منذ أول الطفولة، وحتى لحظتنا الحاضرة، إلا ما استولى عليها النسيان وأودعها في غياهب الجب أو في أودية بين جبال . أجل، لكل ذاكرة حكاياتها وأزمنتها، واليوم نتخير من ذاكرتنا ما هو ملتصق تماماً بحكاياتها مع رمضان الذي يهل هلاله على مسلمي الدنيا والحياة برمتها ماداموا على قيد الحياة وقيد المياه التي منها خلق الله سبحانه وتعالى كل شيء حي .

إذن، نعود إلى طفولتنا التي منها منطلق الحكايات الرمضانية . . ففي صفحة من صفحات الطفولة تهل بشائر رمضان ابتداءً من ليلة النصف من شعبان، حيث عصر يوم الرابع عشر من شعبان، “ليلة الخامس عشر منه”، ففي تلك الليلة المباركة، ليلة تراثية إماراتية بامتياز، تحمل فيها الأيادي الطرية الصغيرة لأولئك الأطفال أكياساً قطنية (خريطات، أو خرايط)، تمتد أيادي الأهالي بما تجود به الأنفس لتلك الأكياس البريئة من حلويات ومكسرات وبقوليات ناضجة (مطبوخة)، كاللوبياء والفول والحمص . وفي تلك الليلة، يردد الأطفال أناشيدهم: (عطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم) . . فإذا ما استجاب لهم الأهالي، رددوا قائلين: (جدام بيتكم وادي، والخير كله ينادي)، وإذا ما نهروهم وخيبوا توقعات أحلامهم، رددوا قائلين: (جدام بيتكم طاسة، وويوهكم محتاسة) .

ويضيف السبب: تلك مقدمة رمضانية، تدل على الخير والعطاء، فالمكسرات المتحصل عليها في تلك الجولة الشعبانية، يستخدمها الأهالي في أطعمتهم الرمضانية المميزة للمجتمع الخليجي الإماراتي .

وعن أطعمة شهر رمضان يقول: يأتي رمضان، ويبدأ مسلسل الأطباق الطائرة بين البيوت في عصرية رمضان، وبخاصة فترة (المِسَيانْ)، أي قبيل المغرب، إذ يتم تبادل الأطعمة بين بيوت الجيران وتصل بها الأرحام .

وعن عوالم الأطفال يقول السبب: في رمضان، تبدأ السكينة على الأطفال، ويعمهم الأمان، وينطلقون في رحاب الأرض يجوبونها لعباً ليلياً آمناً، ففي ليالي رمضان، يطمئن الأطفال إلى أن الشياطين قد سُلسِلَتْ وحُبِسَ خطرها وشرها عن الجميع، ما يتيح لهم اللعب ليلاً بألعاب الأطفال الجماعية: “الغزولة”، “عظيم يِسري”، “فَتحْ لَحْلَحْ”، إلخ .

وحول روحانيات رمضان يقول: في رمضان، تصدح آيات الله في كل مسجد، وفي ذلك يتنافس المتنافسون من القراء، الأطفال منهم والكبار، حيث يتم تداول قراءة سور وآيات القرآن الكريم، ومن تصله سورة المسد، يكون قد ظفر بالنصر والبطولة، ويتوجب عليه أن يحضر في الليلة التالية مائدة رمضانية يطعم بها القراء الذين اشتركوا في تلك الحلقة القرائية، وأذكر أنني في طفولتي التي لم أكن قد تجاوزت الثماني أو التسع سنوات، كنت قد ظفرت بوصول تلك السورة إلى لساني، إلا أنني لم أظفر بقراءتها، وبالتالي لم أظفر بإحضار المائدة التي تمنيت إحضارها لزملائي ورفاق الحلقة، فقد حاول أحد الحاضرين إثنائي عن القراء بحجة أنه سيحضر مائدة بأطعمة مميزة، وما كان من شقيقي “عبدالرحمن” إلا أن أقنعني بشتى الوسائل حتى يتم لنا جميعاً تناول أطعمة جديدة، وبعد إلحاح شديد، قبلت بحزن وامتعاض، ونتيجة ذلك، لم أقرأ، ولم أتناول ما وُعدنا به من أخينا ذاك، لأنه أخلف وعده، وتبخرت الأحلام . 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى