عبد الرازق عكاشة.. فنان يرسم ذاته العربية في مدن العالم

الجسرة الثقافية الالكترونية

*محمد هديب

 

ستضافت جمعية التصوير الضوئي في الحي الثقافي مساء الجمعة لقاءً مع الفنان المصري عبد الرازق عكاشة المقيم في باريس منذ عشرين عامًا، والذي يضطلع منذ سنوات بتأسيس حيز عربي في الفضاء الفني الفرنسي وهو في هذا السياق عضو مجلس إدارة صالون الخريف في باريس الذي أقام هذا العام دورته الـ112، محتفيًا بفنون الربيع العربي.

 

عقد اللقاء ضمن فعاليات ملتقى الفن الثامن الذي تقيمه قناة الجزيرة وتشرف عليه الفنانة العراقية صبا حمزة.

 

قدم اللقاء الناقد والفنان علي فوزي وعرض قبيل الحوار مع الضيف الزائر فيلم وثائقي بعنوان «المستعجلة» يتتبع خطى الفنان عكاشة من قريته في مصر إلى رحلته في العالم، حاملًا هويته العربية المصرية التي يصر دائمًا على طرحها سواء من خلال أعماله في النحت او الرسم أو من خلال مساهمته في تكوين مشهد عربي فني في باريس التي مر فيها ويمر الكثير من الفنانين من شتى الدول العربية لكنهم يفتقدون إلى الإطار الجماعي الذي يقدمهم بوصفهم فنانين عربًا في كتلة واحدة ومتنوعة في آن. ويشير عكاشة هنا إلى نجاح الفنانين من أميركا اللاتينية في تشكيل هذا الإطار داخل باريس التي تضم نقابة الفنانين فيها 34 الف فنان.

 

واستعرض الفيلم خط سير الفنان من خلال ثيمة القطار الذي يحمل المسافرين والحكايات، والمحطات التي يعبرها وفي الأخص منها المحطة التي تجمع أهل القرية التي ينتمي اليها الفنان، حيث تقف الجدران لتحمل أثر الناس ورسومهم وكتاباتهم.

 

يقول عكاشة إنه في كل المدن التي طاف بها كان يقرأ الجدران، وفي غزة كان كان يتابعها من خلال الصور وبالتأكيد من خلال اللوحات التي استلهمت المكتوب والمرسوم العفوي على الجدار، وهي جدران تضج بشعارات ورسومات اللحظة الضاغطة والحلم في غد افضل، وهذه غير الجدران في إيطاليا التي يكتب عليها كلام في الحب.

 

يلاحظ علي فوزي أن ثمة خيطًا إنسانيًا يتبعه عكاشة في مسيره، ويؤكد على إنتمائه إلى قوميته التي تؤهله ليقول شيئًا في الفضاء العالمي فيحدث أن يجري الترحيب به في مدن غير عربية تتطلع نحو التعرف إلى خصوصية هذا الفن القادم من بلاد عربية. 

 

ومشيرًا إلى العمل الفني الذي نفذه في اليابان مستلهمًا حكايات القرية وقطارها فإن الشهادة التي منحت له من لدن اليابانيين تضمن إشادة تقول: أنت رسمت نفسك.

 

وهذه الملاحظة التي علق الناقد علي فوزي حين ذكر أن فنانًا عربيًا قدم في اليابان أعمالًا تنتمي إلى تكوينات الخزف في اليابان مما جعلهم يقولون: إن مثل هذا موجود عندنا فما الذي عندك؟ وهو الأمر الذي استحثه على الرجوع إلى ينابيعه وهوية الخزف العربية الإسلامية التي أعاد فيها إنتاج تصورات جديدة تستند إلى عالمه الثقافية.

 

يستحضر الفنان عكاشة في حديثه محطات عربية وغير عربية وفي كل منها ينوّع في اجتراح أفكار جديدة توحدها قناعته الراسخة بأنه سيحمل في اغترابه ملامح الناس والمكان الذي عرفه وكبر فيه قبل أن ينتقل إلى باريس التي عرف فيها شكلًا من المعاناة وصل كما يسرد إلى أن نام على الرصيف ستة أشهر، وتعرض هناك إلى أزمة قلبية، ووسط هذا كله سيكون على الفنان أن يبدأ حفر طريقه بيديه دون أن يفقد تواصله مع الحركة الفنية العربي في باريس..والفنان الذي اطلق على ابنه اسم «جمال عبد الناصر» ويخرج في المسيرات الفرنسية دعمًا لفلسطين والعراق يؤكد على السعي نحو فكرة جامعة عربية الطابع، تقدم نفسها في فرنسا حيث يقيم على نحو متماسك ينخرط في المجتمع ولا ينمحي.

 

يذكر العديد من الأسماء التي رافقها مثل فاتح المدرس الذي قال إنه كان مسكونًا بقريته في سوريا أو حامد عبد الله من مصر الذي تدور أعماله حول الفلاحين بأسلوب فطري. 

 

كما تابع العديد من الفنانين العراقيين وقال: كنا نشم في أعمالهم رائحة بغداد. هذا كله كان يدفع باتجاه جمع شمل العرب في أرض لا تلتفت اليهم ويساهمون هم في عدم وجود اثر قوي لحضورهم الجماعي.

 

وقال: أنا لست ضد أعمال الفيديو آرت أو الأعمال التركيبية بيد أن هذا التوجه ليس مما أميل اليه كوسيلة للتعبير عن هويتنا. إنه أسلوب يشبه الآخر الذي نريد أن نخاطبه، وهذا لا يقدمنا كما نحن.

 

ترافق رحلة الفيلم اغنيات الشيخ إمام وأشعار أحمد فؤاد نجم، وفي القرية وحركة ناسها وقطارها نسمع الشيخ يترافق رحلة الفيلم اغنيات الشيخ إمام وأشعار أحمد فؤاد نجم، وفي القرية وحركة ناسها وقطارها نسمع الشيخ يغني: أنا الشعب ماشي وعارف طريقي.

 

واختيرت في الفيلم أغنية «سلام مربّع للجرانين» لترافق مقاطع تقدم تجربة الفنان مع الرسم على الجرائد. 

 

وسئل عكاشة عن مفارقة معرفة الفنان لذاته ومعرفة الآخرين به في الغربة وليس داخل الوطن. قال: في الداخل يتعرض الفنان إلى غربة شديدة. هناك مؤسسات تتحرك لتغريب الفنان داخل وطنه. لكن ليس الفنانون جميعهم في بلاد الغربة على سوية واحدة وتصورات واحدة ومصائر واحدة. ثمة فنانون هاجروا إلى أوروبا وأنجزوا أعمالًا حتى يرضوا بها الغرب تحت ذريعة أنهم يريدون أن يعيشوا. 

 

وفي النهاية قال عكاشة إن أهله الذين ضحوا واستشهدوا دفاعًا عن أوطانهم بقوا دائمًا ينيرون طريقه لتحديدها والسير على هدى هوية لا تخطئ ملامحها.

المصدر: الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى