عبيدو باشا: «تياترو العرب» ليس حيادياً

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-

نبدأ من العنوان «تياترو العرب». كلمتان واحدة أجنبية وواحدة عربية. لا شك في أن التسمية، ذات دلالة؟

^ يعود العنوان إلى النظام السائد في تجربة المسارح العربية. أقول المسارح وليس المسرح العربي، في محاولة تصحيح ما هو دارج. ذلك أن العرب يعملون على تجارب مسرحية، كل بهواه ومزاجه وأسئلته وقلقه وقدراته وأدواته ومخيلته. لم يجتمع العرب على مسرح واحد. إنهم أصحاب تجارب لا تجربة. أشير إلى ذلك، كي لا نكرر إنتاج العنوان هذا، في المهرجانات والمنتديات واللقاءات والندوات في هذه الدولة أو تلك. هذا أولاً. ثانياً، للإشارة إلى التناقض القائم بين المسرحي العربي ومنصة المسرح. ذلك أن الكثيرين، لا يزالون يرددون، على الرغم من مرور أكثر من مئة وستين سنة على تجربة مارون النقاش في لبنان، التجربة العربية الأولى، أن المسرح كما نتعاطاه، شكل من أشكال الغرب التعبيرية، شكل غربي. وهذا صحيح. أجمع التناقض في العنوان، كي أصالح بين المنتج والناتج، وكي أدعو (سمحت لنفسي بذلك) إلى التعاطي مع المسرح كفكرة لا كشكل. بحيث لا يتكرر الكلام على غربية الشكل. نفض المسرح غبار الكون الأول عنه، ونحن لا نزال بعد نجتر كلاماً، تحول إلى نظام قائم بحد ذاته.

 

المساحات المشتركة

 

ماذا يتضمن «تياترو العرب»، كيف اقتربت من التجربة العربية المديدة بتطلعاتها وصبولاتها العديدة؟

^ التجربة العربية، بأبرز محطاتها. مراجعة المسيرة، افترضت حضور مقتربات، تواجه التشاؤم القائم. ما أعنيه، أن الكلام على التجربة الفلسطينية (مثلاً) هو كلام على المنتج المسرحي الفلسطيني، من خلال العمارة المسرحية الفلسطينية، المواجهة للمؤسسات الإسرائيلية. تجربة الحكواتي الفلسطينية ومسرح القصبة والمسرح الوطني الفلسطيني في مواجهة الأبراج الإسرائيلية المسلحة. هناك مقاربة معمارية، بالفصل هذا، إلى جانب الكلام السياسي والثقافي والفني والفكري. هناك مسح للتجربة الفلسطينية، للمرة الأولى، من وجهة نظر ميلادية. لا أعتقد أن الصراخ الحانق، الغاضب، في المجال هذا علامة حياة. الكلام على التجربة اللبنانية، من خلال الميزة اللبنانية السابقة، ميزة التعدد والتنوع في المساحات المشتركة. وهكذا. الفصول مشغولة بالفضاء الجامع، لأنها ليس أرشيفية ولا تقريرية ولا وصفية ولا أكاديمية صرفة. لا أزال ضد أشكال السرد الاستبدادية والشمولية والواحدية في جذورها ونوازعها. لا أحقق الكتابة، إلا بما يخدم الكتابة والمادة في هذا الكتاب أو ذاك، بضبط لا يسحق ولا يئد. «تياترو العرب» مهد.

ما الذي تعنيه بكلمة مهد؟

^ لا أريد أن استلب نفسي أولاً، لأنني أدرك أن كتابة «تاريخ المسرح العربي» إذا جاز التعبير، بحاجة إلى عشرات الأيدي والأنفس. لا أريد أن أحقق علواً من خلال كتابة تاريخ المسرح، أريد لعب دور المستدعي. استدعاء الآخرين، للمساهمة في كتابة تاريخ التجربة، بالإطلالات والاكتشافات المتنوعة، من خلال كتابة المسيرة بالتعاضد والتعاون. لست متواضعاً، إذ أقول إن «تياترو العرب» دعوة «الآخر» إلى مراجعة أنظمة فهمه للواقع من خلال تجربة المسرح. إنها تجربة فرد، تحلم بتحرير الكتابة والنقد من حساسيات المستشرقين وغاياتهم في كتابة تجربة المسرح العربي وحساسيات بعض الكتاب والنقاد القدماء. لا نزال نقرأ انجازات المسارح العربية في كتاب المستشرقة الروسية بوتاتسيفا (مئة عام على المسرح العربي)، منذ عشرات السنوات. وقف المفهوم الثقافي الشامل للمسرح، عند الكتاب القدماء، عند أزمنة الكتابة القديمة. كتابات تعود إلى أكثر من نصف قرن. قادني الضجر والجنون إلى كتابة تاريخ المسرح العربي، أو المسارح العربية.

لم يعد العربي يمتلك إلا أن يئن، بغياب المستحقات المخصصة من الدولة، وكسله الفكري والمخيلاتي. أخبرني أحد الأصدقاء، أن تجربته توقفت لأن الدولة قلصت نظام المعونة الخاصة بمسرحه إلى النصف. مليون دولار. الزميل من واحد من بلاد الخليج العربي. أذكر هنا أن «أيام الخيام» لفرقة الحكواتي اللبنانية، كلفت خمسة آلاف ليرة لبنانية فقط، لأنها أدركت معادلة الخيال بمواجهة المال وسطوة المال. يراوح المسرح اليوم بين التقنيات الحرة والصناعات الثقيلة. المسرحي العربي ليس مايرخولد ولا أنطونان ولا آرتو. من أدرك ذلك، حقق أرضه المحروثة بمائه وثيرانه.

«تياترو العرب» كتاب حرب في المسرح، كتاب اضطراب حواس. كتابة دعوة إلى اضطراب الحواس.

 

نص نقدي

 

كيف حصلت المادة الموجودة في الكتاب؟

^ المادة في الكتاب ليست من عجالة، بل من متابعة للتجربة، على مدى عشرات السنين، متابعة البنيان اللغوي للتجربة، متابعة السياقات. أهم ما في الكتاب إدراك السياقات والأنطمة الشغالة والوسائط الانتقالية. تجربة ناشطة منذ سنوات، تجربة هامدة الآن. التجربة التونسية مثال. لا لأنها تأخرت، لأنها استقرت على الأسماء. هيمنة الأسماء القديمة واستمرار الهيمنة هذه، قادت إلى واحدة من أبرز مقاتل التجربة. تجارب الفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي ورجاء بن عمار والفاضل الجزيري وعز الدين قنون وغيرهم على التجربة، أقامت مركزية مسرحية أشبه بالجهاز. وإذا سألني أحدهم، عن طرق القراءة، أجيب بأن القراءة، أي «تياترو العرب»، ليست حيادية. وهذه من نقاط قوته، لأنها تدعو إلى نقاش ما فيه.

مادة الكتاب كلها نظرية؟

^ لا، لقاءات جمعت الكسور في هذه التجربة أو تلك، كي يستطيع القارئ التحديق بالتجارب من خلال حالات الصفاء، لا المسارات القصيرة المتمزقة. هناك حكايات، هناك تبادل أفكار بين التاريخ والراهن. هناك طفولة التجارب وشبابها، النقاط المشتركة في ما بينها، ونقاط الاختلاف، وهي نقاط بالمناسبة. لأن الاختلاف استعداد للتوحد في رقصة احتفالية واحدة، في فضاءات تتسع للتجارب كلها، بنخبها الطيبة ومقاتليها الشرسين. «تياترو العرب» امتص ما في داخلي وفجره على الورق. هذا نص مسرحي نقدي، طويل، بعيد عن مفاهيم العلاقات العامة أو اشتراط علاقات محددة. صدق توجهات. هذا ما أدعيه. إشهار للتحديات على صعيد غياب التدوين في تجربة المسارح العربية. ذلك أن المسرحي العربي، يلح على نفسه في مشاغله المسرحية، يحقق انجازات، غير أنه لا يلحقها بالمرحلة الثانية، مرحلة في أهمية المرحلة الأولى. تدوين الأشغال على القصاصات والدفاتر. لأن المسرح هواء تغيب مواده بالهواء وبأجهزة المسرحيين العصبية. لا يبقى منها أي شيء على أرض الواقع. هذه لعنة المسرح وسحره. غياب التدوين، غياب عمليات التجسير بين الأجيال. الكتاب في جزأيه يدافع عن المسرح والمسرحيين، حتى في اللحظات النقدية العنيفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى