عدم تخصص المسؤولين وراء اندثار الفنون الشعبية

الجسرة الثقافية الالكترونية
*أشرف مصطفى
المصدر: الراية
معاناة المبدعون لا تنتهي في كل زمان ومكان، وربما تلك المعاناة هي التي يتمخض عنها الإبداع، لا سيما أن الفنان دائماً ما يكون استشعاره للأزمات أكثر عمقاً لبحثه الدائم في التفاصيل، وعلى ذلك فإن مطالب المُبدعون لا تتوقف بصفتهم من الباحثين عن المدينة المثالية، وتحاول الراية قدر استطاعتها من خلال هذه الزاوية، مناقشة أهم أزمات الإبداع، فتستعرض ما يطلبه الفنانون في كل حلقة، واليوم نستضيف فنانة تنتمي إلى أحد أشكال الإبداع الذي يمثل دائماً صراعاً للبقاء وسط أنواع الفنون الحداثية، وهو الفن الشعبي فتحدّثنا الفنان فاطمة شداد على أهم الإشكاليات التي يُعاني منها هذا الفن وتتحدّث عن مطالب الفنانين المبدعين في هذا المجال.
الفنانة الشعبية القطرية فاطمة شداد أكدت أنها لا تزال مهتمة بالفن الشعبي بكل أشكاله، على الرغم من أن العديد من ألوان هذا الفن بدأ يندثر حسب رأيها وذلك بسبب موت الغالب من رواده أو كبر سن من تبقى منهم، كما أن الكثير منهم تركوا هذا الفن؛ ما أدى إلى اختفاء الكثير من الفرق التي كانت تمارس في الماضي هذه الأشكال من الفنون الشعبية، وأشارت إلى أن ادعاء بعض الباحثين بأن بعض ألوان الفن الشعبي الخليجي كالليوة والطنبورة وغيرهما لا ينتمون للتراث القطري لأنها فنون وافدة من الخارج وقد يكون هذا السبب الأساسي في اندثار بعض تلك الفنون، مشدّدة على أن اليونسكو حدّدت 50 عاماً لأي فن وافد على أي بلد لكي يصبح ملكاً لها وينسب لإرثها الثقافي، وقالت: لا ننكر أن العديد من هذه الفنون وافدة لكن الأجداد عندما أحضروها لم يبقوها كما هي حيث طوروها وطوعوها لتعبّر عن ثقافتهم. وأضافت: أكاد أجزم أنه إذا أتينا بأصحاب هذه الفنون الوافدة وأطلعناهم عليها بعد تطويعها لثقافتنا سيؤكدون أنها ليست فنونهم ولا تمت بصلة إليهم، وأشادت شداد بتجربة صوت الريان التي قامت من خلالها بالحفاظ على فنوننا الشعبية حينما أعادت الطنبورة لسوق واقف بالتعاون معها، وأضافت:عندما مدّت إلينا الأيادي لم نتردّد، ونقدّم حالياً كل يوم خميس وجمعة وسبت من كل أسبوع فنوننا القديمة وتلقى إهتماماً كبيراً من قبل الجمهور. وأردفت قائلة: الفن ليس له جنسية ولا وطن لكنه يمكن أن ينغمس في وجدان أحد الشعوب فيصبح ملكاً لهم، واستمرار هذه الفنون التي يطلق عليها وافدة يعني نجاحها وتعلق الشعوب الخليجية بها. وأوضحت أن مشكلة تهديد الفنون التراثية الخليجية يرجع لعدم تخصص المسؤولين عنها حتى وإن كانوا حصلوا على أعلى مراتب التعليم، إلا أنهم لم يعايشوا تلك الفنون يوماً أو يحتكوا بمن مارسها، لذلك تغيب عليهم تفاصيل الفن الشعبي. وأضافت: يجب أن يأتي الرجل المناسب في المكان المناسب فيكون المسؤول عن الفنون الشعبية الرجالية رجلاً مارس هذا الفن، وكذلك تشرف على الفنون الشعبية النسائية سيدة سبق لها وأن مارست هذا الفن، وأكدت شداد أن الفن شيء حساس لا يحب الإهمال وإلا مرض ومات واندثر، وألقت شداد المسؤولية الكبرى على عاتق الإعلام، حيث رأت أنه ساعد في انحطاط الذوق العام لدى المتلقي وجعله لا يكون وثيق الصلة بتراثه وفنونه، مشيرة إلى أن التليفزيون أهمل الفنون الشعبية القطرية ولم يساعد على توثيقها، مؤكدة أن التلفزيون كان يملك تسجيلاً لا حصر له، فالعديد من المواد المصورة للفنون الشعبية تلفت تماماً بعد أن أنهكها الزمن دون العمل على المحافظة عليها أو ترميمها، كما طالبت المسؤولين عن الثقافة الالتفات للفنون المحلية وإطلاع الشعب القطري عليها خاصة الأجيال الجديدة قبل العمل على استيراد الثقافات والفنون الأخرى، مشيدة بالدور الفعّال الذي تلعبه وزارة الثقافة القطرية والجهات المعنية لإطلاع الجمهور القطري على الحضارات الأخرى من خلال الإتيان بفنونهم في المهرجانات والمناسبات المختلفة، لكنها شدّدت على أن الاهتمام بترويج الثقافة المحلية يجب أن يسير بشكل موازٍ مع الفنون المستوردة ولا يأتي أحدهما على حساب الآخر.
وبلا شك فإن التراث القطري يتمتع بتنوع فنونه الشعبية، حيث ساهم انفتاح قطر على حضارات بعض دول آسيا وأفريقيا في إثراء التنوع الثقافي وتشكيل فلكلور خاص استفادت منه الفنون المحلية وأضافت عليه، حيث استفادت قطر عبر التاريخ من موقعها الجغرافي في شبه الجزيرة العربية، ومن انفتاحها على حضارات الجوار في صياغة إرث حضاري وثقافي يجمع بين الأصالة والانفتاح، إلا أن ثمة اختلافاً كان قد نشأ من المختصين بالتراث الشعبي حول العديد من الأشكال حيث رأى البعض أن آلة التوثيق للتراث القطري لا تعمل كما يجب، ما أدى إلى اندثار العديد من ألوان الفنون الشعبية، خاصة أن هناك عدم اكتراث بالفنون الشعبية القطرية عموماً، وخاصة التي تم اقتباسها من دول أخرى تحت حجة أنها فنون دخيلة.