عمر الشريف .. وغيره!

الجسرة الثقافية الالكترونية

*عبد الأمير المجر

قبل أيام، رحل عمر الشريف، الممثل المصري (العالمي) الذي شغل شاشات السينما العربية والعالمية أيضا، بأدواره الكثيرة، لكنه لم يحتل في الوجدان العربي المكانة التي احتلها ممثلون أقل منه شهرة على مستوى العالم، ولا أقول اقل موهبة، أمثال أحمد زكي وعادل امام ورشدي اباظة وشكري سرحان وغيرهم .. والسؤال هو لماذا؟

 

لمع نجم عمر الشريف أواخر النصف الاول من القرن الماضي، بعد ان قدمته السينما المصرية بصور مختلفة توزعت فيها هموم الحياة المصرية والعربية، من خلال أفلامه “في بيتنا رجل” و”صراع في النيل” و”اشاعة حب” وغيرها من الاعمال التي لامست هموم الانسان العربي عموما والمصري خصوصا، قبل ان يتم اختياره لبطولة فيلم “لورنس العرب”، لتبدأ رحلته بين ستوديوهات الفن الغربي، لاسيما هوليوود، التي دخلها في مرحلة عاصفة من تاريخ البشرية، ونقصد مرحلة الحرب الباردة، التي لم يوفر المعسكران المتصارعان خلالها، السينما، بعد ان عرفت كل جهة كيف تجند هذا الجنس الابداعي الخطير لتوصل رسائل سياسية.

 

ولا نعتقد ان عمر الشريف كان غافلا عن حقيقتها، مثل فيلمه عن “جيفارا”، الذي انتجته المخابرات الاميركية والذي اعترف هو نفسه بذلك وعبر عن اسفه ايضا! وكذلك فيلم “الدكتور زيفاجو” برسالته السياسية الواضحة ضد ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا.

 

وهكذا غاب فناننا بين دهاليز تلك اللعبة التي مكنته من الغوص فيها عميقا، لغته الانكليزية الرصينة وموهبته في التمثيل، واقتناص الفرص ايضا، ليحقق حلمه الشخصي في النجومية والمجد، لكن على حساب المحلية التي هجرها، مع انها تعد الوسيلة الاصدق للوصول الى العالمية والى قلوب ابناء جلدة أي فنان، بعد ان يجعل من همومهم رسالته في الحياة، وهذا ما حققته، مثلا، زوجته الفنانة فاتن حمامة، التي تمسكت بالمحلية، ما جعلها تسكن قلوب ملايين العرب، لاسيما ادوارها في “الحرام” و”لا عزاء للسيدات” و”أفواه وارانب” وغيرها من الافلام التي قد لا تصنف من الناحية الفنية، كأفلام عالمية، لكنها ظلت الارسخ في الذاكرة والاقرب الى النفوس من أفلام فقدت بريقها مع الايام، لأنها بالاساس مصممة لإيصال رسالة سياسية معروفة ولمرحلة معينة.

 

لقد عاد عمر الشريف في أواخر حياته الى المحلية، ونجح في فيلم “حسن ومرقص” و”الاراجوز” وغيرهما، فأحيا بذلك ذكرى وصورة عمر الشريف التي كاد العرب ينسونها حين كان نجمه يزداد لمعانا في مغتربه الفني والمكاني!

 

لقد أثبتت التجربة ان معايير العالمية، في أي نشاط ابداعي، تعتمد على قدرة المبدع في معالجة قضايا واقعه مهما كان منزويا أو مقصيا عن الاضواء، تماما كما اخبرنا ماركيز وهو يتقصى محنة الكولونيل العجوز في عزلته الكئيبة بإحدى قرى اميركا اللاتينية، او في فيلم (محلي) يسلط الضوء على قضية انسانية، تحتضن بتفاصيلها الوجدان الانساني حين يتوحد مع ابطالها وهم يكابدون مرارة حياتهم في ظل ظروف قاسية، أو في أغنية تأتي محملة بعاطفة أخّاذة تتملك قلب الانسان وعقله في لحظة تجل فني صادق، تنتصر للانسان، كقيمة، قبل كل شيء.

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى