عودة روح مصر القديمة

الجسرة الثقافية الالكترونية
عبد السلام فاروق
صدر في الولايات المتحدة الأميركية عن دار “إنر تراديشن”, كتاب مهم بعنوان “روح مصر القديمة”, والذي يعتبر تخلص الشعب المصري من حكم الإخوان المسلمين في 30 يونيو 2013, بمثابة استعادة المحرك الروحي للعالم بأكمله.
الكتاب من تأليف روبرت بوفال – وهو كاتب بريطاني ولد في الإسكندرية لأب بلجيكي – وأحمد عثمان, وهو كاتب مصري يقيم في لندن.
فبعد أن بارك الغربيون ثورة 25 يناير التي أسقطت الحكم الشمولي وفتحت الطريق أمام مصر للعودة إلى مسار الحرية والديموقراطية واستعادة جذورها الفرعونية, سقطت البلاد في قبضة جماعات الإسلام السياسي التي أنكرت الهوية القومية للمصريين، وأدخلت البلاد في عصر جديد من الظلام الفكري والحضاري.
يقول الكاتبان: “كتابنا هو محاولة للعثور على روح مصر, … ما أردناه هو تفهم تاريخ مصر – ليس بعقولنا فحسب – بل بقلوبنا كذلك. … وجدنا من الضروري استعراض تاريخ مصر الحديث بعمق كبير … كان هذا ضروريا ليس فقط حتى يفهم القراء الغربيون ماذا يحدث في مصر الآن, ولكن كذلك لأن روح مصر القديمة أصبحت سجينة في دوامة الأحداث. ونحن على قناعة بأننا الآن سنعثر على روحها, ونأمل أن تعود إلى مكانها الصحيح. لأن مصر القديمة كانت حقا لها روح مقدسة … ولأن روح مصر أصبحت الآن هي روح العالم بأجمعه”.
• الحضارة الفرعونية
ويتحدث الكتاب عن مصر باعتبارها الرحم والأم التي وصلت فيها البشرية إلى سن الرشد. ففي مصر ظهرت جميع فروع المعرفة البشرية ومظاهر الحضارة الحديثة، من اختراع للكتابة وبناء للأهرامات وعلوم الطب والتشريح والكيمياء والحساب والهندسة.
ومع هذا فلم تتوقف الحضارة المصرية الفرعونية على المسائل المتعلقة بالتقدم العلمي والتكنولوجي، فرغم وثنيتها حينذاك – حيث كان العالم كله وثنيا قبل رسالة الأنبياء موسى وعيسى ومحمد – كان المصريون هم أول من قالوا بوجود كيان روحي غير مرئي للإنسان، إلى جانب الكيان الجسدي. إذ كانوا يعتقدون بأن الروح التي رمزوا لها بشكل طائر، تغادر الجسد عند الوفاة وقد تعود في المستقبل لو تم الحفاظ على الجسد في حالة سليمة. لهذا قام المصريون منذ خمسة آلاف عام، بتحنيط الميت ودفنه في مقبرة مُحكمة، ووضعوا تعاويذ من كتاب الموتى في المقبرة يقال إن لها قوة السحر، تحميه في رحلته في العالم السفلي.
كما ظهرت فكرة وحدانية الإله للمرة الأولى في مصر, على يد الملك إخناتون في أيام الأسرة الثامنة عشر, منذ حوالي 3 آلاف و500 سنة. ذلك أن الأقوام البشرية الأولى كانت تجعل إلها لكل جماعة تعيش في قبيلة أو قرية. وعندما تم توحيد مجموعة من القبائل والمدن، صار معبود الجماعة المسيطرة على الحكم بمثابة إله للمجموعات كلها.
ولما كانت مصر هي الأمة الوحيدة التي تم توحيدها في الأزمنة القديمة تحت سيطرة سلطة مركزية واحدة، أصبح هناك معبود مشترك يؤمن به جميع المصريين، إلى جانب معبوداتهم المحلية. ثم جاء إخناتون ليقول بوجود معبود واحد لكل البشر، ليس في مصر وحدها, بل في بلاد الشمال والجنوب كذلك، وإن هذا الإله لا يتمثل في صورة أو تمثال.
وعلى هذا فإن عقيدتا القيامة والتوحيد اللتان هما جوهر الحضارة البشرية الحديثة، ظهرت كلتاهما في مصر الفرعونية للمرة الأولى, حتى قبل دعوة الأنبياء. بل إن النبي موسى نفسه ولد في مصر، وتربى في قصر الفرعون، وتلقى التوراة فوق جبل سيناء المصرية، كما عاش المسيح عليه السلام جزءا من طفولته في مصر، وجاءت الجدة الكبرى للنبي محمد (هاجر أم اسماعيل) كذلك من مصر.
• رسالة نبي الإسلام
ويحاول الكتاب شرح الدعوة الإسلامية للقارئ الغربي الذي يجهل الكثير عن هذه العقيدة, خاصة الآن، عندما أصبح الإرهابيون يتصدرون الواجهة في الحديث عن الإسلام. لهذا تحدث الكتاب عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم), الذي عاش يتيم الأبوين ولاقى العذاب والإضطهاد من قومه الذين كادوا يقتلونه لولا أنه هاجر سرا إلى المدينة. وما الإسلام إلا عقيدة وعبادة تتفق في جوهرها مع وحدانية الإله التي تحدث عنها موسى عليه السلام وقيامة الأموات التي جاء بها عيسى المسيح. وليس معروفا عن نبي الإسلام أنه قتل أو أمر بقتل إنسان واحد في حياته, بل إنه صفح عمن حاول قتله من قريش, عندما عاد إلى مكة منتصرا وكان أهلها لايزالون وثنيين.
• الإسلام السياسي والخلافة
فالفكرة الشائعة التي تقول بأن “الإسلام دين ودولة”, تعبر عن سوء فهم سببه النظر إلى ضرورة أن يكون حكام الدولة الإسلامية خلفاءً للرسول. فعندما اتسعت الدولة الإسلامية خارج حدود الجزيرة العربية, ووصلت إلى الصين في الشرق وإسبانيا في الغرب, كان ولاء الشعوب التي اعتنقت الإسلام في هذه الدولة للخليفة بصفته حاكما وكذلك بصفته خليفة للرسول. في هذه الحالة كان من الطبيعي لهؤلاء الذين اعتنقوا الإسلام اعتبار الخليفة رئيسا لكل من الدولة والديانة. فقد أدت الطبيعة الثنائية لدور الخليفة كحاكم ورئيس ديني على الخلط في فهم طبيعة الإسلام، وهل هو عقيدة دينية أم حركة سياسية.
ومع أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) استطاع خلال حياته توحيد قبائل الجزيرة العربية في أمة واحدة, فهو لم يقم دولة سياسية ولم يشكل حكومة. فقد تلقى النبي إسلام غالبية القبائل العربية خلال السنتين الأخيرتين من حياته, لكن هذا بالطبع لا يعني أن الجزيرة العربية كونت وحدة سياسية تحكمها إدارة من المدينة. فقد كان اعتناق الإسلام يتطلب عملين فقط: إعلان لفظي بإتباع الدين الإسلامي ودفع الزكاة السنوية. وكان الدخل الذي يصل إلى المدينة عن طريق الزكاة لا يعتبر ضريبة, بل صدقة يتم توزيعها على الفقراء.
على هذا النحو يرى مؤلفا الكتاب أن هناك فارقا بين الأمة والدولة. فبينما تمثل الأمة جماعة من الناس تربطهم روابط الهوية والتاريخ والثقافة واللغة والأصل, فإن الدولة مؤسسة سياسية لأناس تحكمهم سلطة مركزية واحدة. الدولة هي مؤسسة سياسية لديها وحدها الحق الشرعي لإستعمال القوة داخل حدودها, ويكون لديها قوات مسلحة وجهاز إداري وبيروقراطية ومحاكم وشرطة. ومع ذلك فإن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حتى آخر يوم من حياته لم يكون حكومة للأمة الإسلامية, كما أنه لم يتحدث عن أية حكومة – فلم يكن لديه جهاز إداري ولا جيش منظم ولا نظام للحكم. لم ينشئ النبي وحدة سياسية عاصمتها المدينة, بل استمرت القبائل العربية تعيش بنفس الطريقة التي كانت عليها قبل الإسلام, وكان خضوعهم للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بصفته الشخصية كرسول وليس كحاكم.
فلم يكن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حاكما سياسيا, بل رسولا نبيا, فهو لم ينشئ دولة سياسية ولم يشكل حكومة “وما محمد إلا رسول”. وكان اعتناق القبائل للإسلام يتمثل في النطق بالشهادة ودفع الزكاة, التي كانت توزع على الفقراء. ولم ترد كلمة “حكم” في القرآن للدلالة على الحكم السياسي, وإنما جاءت بمعنى التحكيم: “فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم” أما رجال السلطة – وهم عندئذ كانوا رؤساء القبائل – فقد أطلق عليهم القرآن تعبير “أولي الأمر”, “أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”.
• نهاية الخلافة
ترك قرار تركيا إلغاء الخلافة الإسلامية سنة 1924 الأمم العربية في حالة من الضياع بدون هوية. فبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى قرر كمال أتاتورك – أول رئيس للجمهورية التركية – إلغاء الخلافة العثمانية في اسطنبول, بعد ثلاثة عشر قرنا من الحكم الإسلامي انتهى نظام الخلافة الذي كان ينظم حياة هذه الدول من قبل. ورغم أن بلدان الشرق الأوسط كان لها تاريخ قديم يسبق ظهور الإسلام بآلاف السنين, فقد شعر البعض وكأنهم فقدوا هويتهم بعد اختفاء الخلافة الإسلامية.
وفي محاولة لملء الفراغ الذي نشأ عن سقوط الخلافة, ظهرت حركتات مختلفتان في الشرق الأوسط – واحدة قومية تعمل على استقلال البلدان العربية من النفوذ الأجنبي والثانية دينية تعمل على إعادة نظام الخلافة الإسلامية.
وفي مايو/آيار 1926 عقد مؤتمر في القاهرة بهدف الإتفاق على نظام الخلافة الجديدة, إلا أن غالبية المندوبين الحاضرين – وكان عددهم 38 يمثلون 13 دولة إسلامية – لم يتمكنوا من الإتفاق على ضرورة إحياء الخلافة, حيث كانت غالبية الدول الإسلامية تحاول استعادة استقلالها القومي.
• الإسلام السياسي
إلا أن نجاح ثورة 1919 في إعلان مصر دولة ملكية برلمانية, وكتابة دستور 1923 الذي قرر إقامة دولة مدنية تسير على نمط الديموقراطية الغربية, أزعج بعض الناس الذين كانوا لازالوا يحلمون بإعادة دولة الخلافة.
وفي 1928 قام حسن البنا – وهو مدرس دين للمرحلة الإبتدائية – بتكوين جماعة الإخوان المسلمين, بهدف رئيسي واحد: هو إسقاط النظام البرلماني الديموقراطي وإقامة دولة الخلافة. وكان هذا هو بداية ظهور جماعات الإسلام السياسي, التي وإن كانت تقيم دعوتها على أساس ديني, إلا أنها هدفها سياسي في الدرجة الأولى, وهو إقامة دولة الخلافة.
ومن رحم جماعة الإخوان المسلمين ولدت جميع حركات الإسلام السياسي, التي سرعان ما لجأت إلى أعمال القتل والإرهاب عندما فشلت في الحصول على تأييد الجماهير لمشروعها.
المهم أنه بعد ثورة الشباب في 25 يناير 2011 تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة على الحكم في مصر, وكادت أن تحكم قبضتها على جميع سلطات الدولة فيها, لولا أن شعب مصر – بحسه التاريخي – أدرك أهدافها الحقيقية وخرج في 30 يونيو 2013 ليسقط حكم الإخوان.
كانت الأصوات تتعالى بعد سيطرة الإخوان على الحكم في مصر باعتبار حضارة مصر الفرعونية عفنة, وبينما ينظر العالم كله إلى مصر الفرعونية باعتبارها تمثل جذور الحضارة البشرية الحدبثة, اعتبرها الإخوان تمثل عصر الجاهلية. الآن سقط حكم الإخوان وعادت روح مصر القديمة تضيئ العالم من جديد.
المصدر: ميدل ايست اون لاين