غاليانو استعاد الذاكرة المفقودة للعالم

الجسرة الثقافية الالكترونية

*بندر عبد  الحميد 

المصدر: الحياة

 

لم يجد الرئيس الفنزويلي الراحل هوغـــو شافيز هدية معبرة وملغزة، يقدمها للرئيس الأميركي باراك اوباما، في قمة الأمـــيركتين في ترينيداد عام 2009، أفضــل من كتاب إدواردو غاليانو «الشرايين المفـــتوحة لأميركا اللاتينية»، لما في هذا الكتاب من أهمية في توثيق وتحليل للكوارث التي مرت على هذه القارة المنــهوبة أو المحتلة من الخارج أو الداخل، على مدى خمسة قرون، وكانت اهتمامات غاليانو تنصب على استعادة الذاكرة وإحيائها، وهو يقول: إن خوفي الكبير هو أننا سنعاني جميعاً من فقدان الذاكرة.

منذ أوائل السبعينيات الماضـــية انتشــــر أدب أميـــركا اللاتينيـــة في أوروبا، وامتد إلى كل اللغات في العالم بواقعيته السحرية في الشعر والرواية والقصص القصيرة التي حملت أسماء لامعة في تيارات الحداثة من أمثال خوان رولفـــو، بورخــيس، بابلو نيرودا، اوكتافيو بــاث، ماركيز، ماريو بارغاس يوسا، ماريو بينديتي، خوليو كورتاثار، كارلوس ـفوينتس، ارنستو ساباتو، ايزابيل الليندي، بينما انفرد إدواردو غاليانو بكتاباته الناقدة اللاذعة التي تعيد قراءة التـــاريخ والموروث الشعبي والحكمة والخطاب السياسي والقصة القصيرة جداً واللقطة السينمائية وحوارات المقهى والشارع، وهو من الكتاب القلائل الذين يسحرون القراء على اختلاف مستوياتهم الثقافية واتجاهاتهم الفكرية.

عاش إدواردو غاليانو (1940 -2015) طفولته وشبابه الأول في مونتيفيديو عاصمة الأوروغواي، واندفع إلى العمل الصحافي مبكراً، في نهاية عامين من دراسته الثانوية، وانضم إلى محرري صحيفة مارشا الأسبوعية وانتقل إلى رئاسة تحرير الصحيفة اليومية «ايبوكا»، وبعد استيلاء الطغمة العسكرية على السلطة عام 1973 دخل غاليانــو السجن ثم نفي إلى الأرجنتين حيـــث أصـــدر مجـــلة فكرية وثقافية، وظهر اسمه في قائمة المطلوبين لدى كتائب الموت، بعد الانقلاب العسكري في الأرجنتين فهرب إلى إسبانيا حيث أنجز ثلاثية «ذاكرة النار»، وعاد أخيراً إلى مونتيفيديو عام 1985، بعد عودة الديموقراطيين إلى السلطة في انتخابات حرة، كتب عنها غاليانو تحت عنوان «حيث يصوّت الشعب ضد الخوف».

 

غاليانو في العربية

من بين نحو ثلاثين كتاباً منوعاً من أعمال غاليانو لم تترجم إلى العربية سوى تسعة كتب، نشرت كلها في سورية، لأسباب ليست غامضة، حيث ترجم صالح علماني «كرة القدم في الشمس والظل» و «أفواه الزمن» و «مرايا: ما يشبه تاريخاً للعالم».

وترجم أسامة إسبر «كتاب المعانقات» و «كلمات متجولة» وثلاثية ذاكرة النار: «سفر التكوين» و «الوجوه والأقنعة» و«قرن الريح»، بينما ترجم كل من أحمد حسان وبشير السباعي «الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية» وهو الكتاب الذي بيع منه أكثر من مليون نسخة مع أن السلطات العسكرية منعته في الأوروغواي والأرجنتين وتشيلي.

أضاف غاليانو مؤلفات أخرى إلى كتبه الأكثر شهرة وانتشاراً منها: غواتيمالا تحت الاحتلال، نهارات وليالي الحب والحرب، رأساً على عقب، أطفال الأيام، كرة القدم في الشمس والظل.

بعد وفاة غاليانو كتب عنه كبار الكتاب والمفكرين من جنسيات مختلفة، ووصفه المفكر البريطاني طارق علي بأنه بطل وأن أفكاره ستعيش بعده، وقال أنه نموذج جديد من سيمون بوليفار (محرر أميركا اللاتينية) وهو يحاول أن ينجز بقلمه ما أنجزه بوليفار بسيفه.

أما المفكـــر حميد دباشـي الأستـــاذ فــــي جامعة كولومبيا فيقول أنه تلقى الخـــــبر الحزين عن غياب غاليانو، الأميـــركي اللاتيني البارع الذي كانت أعماله تشكل صدمـــات متواصلة لجيلنا من مفكري ما بعد الكولونيالية.

 

مقتطفات

– الجوع يتغذى على الخوف، خوف الصمت يدوي في الشوارع، الخوف يهدد: إذا أحببت تصاب بالايدز، إذا دخنت تصاب بالسرطان، إذا تنفست تتلوث، إذا شربت تحصل على حوادث، إذا أكلت ترتفع نسبة الكولسترول…

– تقول الكنيسة: الجسد خطيئة، يقول العلم: الجسد آلة، تقول الإعلانات: الجسد مشروع تجاري، يقول الجسد: أنا مهرجان.

– لا يستطيع أن ينظر إلى القمر دون أن يحسب المسافة، لا يستطيع أن ينظر إلى شجرة دون أن يفكر بالحطب، لا يستطيع أن ينظر إلى لوحة دون أن يفكر بسعرها، لا يستطيع أن ينظر إلى امرأة دون أن يفكر بالمجازفة.

– داهمت الموسيقى البيت وانطلقت محلقة، عبر النوافذ المفتوحة عبر الليل في اتجاه الأرض التي ليس فيها أحد، وظلت حية في الهواء بعد أن توقفت الأسطوانة عن الدوران.

– في بداية افتتاح مونديال 1928 في ملعب كولومبس في باريس تقدم الرئيس الفرنسي البير ليبرو ليسدد الضربة الأولى، ولكن قدمه أخطأت الكرة واصطدمت بالأرض.

– اشتهر لاعبو الأوروغواي في العشرينيات بأسلوب خاص في المراوغة، وحصلوا على كأس العالم في مونديال 1930، ومونديال 1950، وكان من أهم اللاعبين خوسيه اندرادي الذي كان يتجاوز المدافعين دائماً، ومرة تجاوز نصف الملعب والكرة تهتز فوق رأسه، وكان النجم الأول للكرة في أميركا اللاتينية، وحاول الصحفيون أن يعرفوا سر المراوغة، لدى فريق الأوروغواي، التي تسمى «المونيا» فأجابهم اندرادي بأن اللاعبين يتدربون على المونيا في مطاردة الدجاج الذي يفر هارباً على شكل الحرف اللاتيني (s) وأعجب الصحافيون بهذا الجواب واعتبروه سراً ينشر للمرة الأولى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى