غسان مراد يدعو إلى علوم إنسانية علمية

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-

الإنسانيات الرقمية، عنوان مثير للجدل يدفعك للبحث عن هذه العلاقة بين المفردتين بحس المستقصي عن قضايا الإنسان، وحركته في هذه الحياة.

عنوان يحثك أن تطرح على نفسك هذا السؤال، ما العلاقة بين الرقمية والإنسانيات؟ وكيف تداخلت هذه الحقول المعرفية في ما بينها، وأين موقفك منها كفرد؟ وكيف يمكنك السير معها؟ أم أنها هي التي تسير بك؟ ما أراده غسان مراد من كتابه «الإنسانيات الرقمية» (شركة المطبوعات، بيروت) أن تندفع بشجاعة العارف لأن تتلمس حركة حياتك الإنسانية، بأبعادها الفلسفية واللغوية والمعلوماتية، وأن تتعايش مع تغييرات هذه الأبعاد التي انعكست في أدائك اليومي مع الناس، من خلال تقديم منظومة دمج بين العلوم التي اعتمدها في كتابه، والتي لا تنفصل أبداً عن هذا المفهوم.

الكتاب يتخطى التنظير في التقنيات، ويساهم في التأسيس لنظريات ومفاهيم في العلوم الانسانية تقول إن علينا أن نرى العالم بمنظار جديد. كما يأخذك الكاتب بعيداً لتحلق في فضاء علوم الإدراك لاكتشاف ماهيتها، وملاحقة أسرارها؛ ومع كل قفزة يزيد اندفاعك المعرفي وتستنفر حواسك لتلقف كل جديد. وتضعك الإجابات على مفترق التفكر، وهي تجذبك من شرانق الحذر والتردد والريبة.

ثم يدعوك الى ان تتوسع في أمور حياتك وأن تبصر وتتبصر في هذا المتغير الجديد، الذي ينقلك الى عوالم مستجدة فيها كيفية معالجة الرموز من خلال مقدمته عن «ذكاء الأصابع» وفيها صورة الانتقال من «ثقافة الكبس الى ثقافة اللمس» وهو ما أوضحه في عنوان جديد يواكب زمن الرحلة الطويلة من «البداوة الرقمية الى الترحال التواصلي».

ولكي لا يبقى هذا الصندوق الأسود بعيداً عن مرمى أناملك، تخاف أن تتلمسه، وتخشى ان تصاحبه كما تساورك الخشية عند كل أسود، ولكي لا يبقى حكراً على أهل الاختصاص يدعوك غسان مراد بدعوى تبسيط الإنسانيات الرقمية، ليقول لك إن تبسيط هذه العلوم هو دأب الباحث المجتهد، وديدن المجدين في الفكر والثقافة والعلوم، وليضعك أمام تجربة جادة تقول إن العربية قادرة على احتضان كل أنواع العلوم ومنها التكنولوجيا. وأنها جاهزة بمفرداتها ومصطلحاتها ان توازي المصطلحات الأجنبية، فلمَ نقدم عجزنا على أنه عجز في اللغة العربية؟ غسان مراد يقدم كتابه الى القارئ العربي ككتاب تحدٍ، يضيف به قيمة ثقافية وعلمية، ويضعنا جميعاً أمام مسؤوليتنا تجاه لغتنا الأم، في أن تواكب العلوم وبأن نصنع لها منوالاً علمياً (تكنولوجياً) يليق بها، وهذا ما فعله بجدارة غسان مراد.

كما يطرح هذا الكتاب ويتبنى ويدافع عن مسألة تدريس المعلوماتية في اختصاصات العلوم الانسانية، وهذه الدعوة هي بمثابة إجابة عن كل ما يطلبه من التغيير في العلوم الانسانية. فبحسب رأيه يجب ان ندرس المعلوماتية في مجالات العلوم الانسانية والإعلام كمادة اساسية من ضمن المناهج الاكاديمية، وليس كمادة هامشية تضفي زينة (اكسسوار) عليها، إضافة الى تعليمهم المنطق نظراً إلى ارتباطه في سيرورة العملية الفكرية في التنظير والفهم في العلوم الانسانية كما في غيرها من العلوم.

ولكي يتماشى الكتاب مع الثقافة الرقمية، حرص غسان مراد على أن يكون كذلك، فعندما نقلب صفحات كتابه نجد انفسنا أمام طريقة تحاكي القراءة على شاشة الحاسوب، فنستطيع أن نبدأ من حيث نريد وتحت أي عنوان، أو أي فصل.

وما ترسخ في هذا المجتمع المشبوك، حسب غسان مراد من خلال توصيفه الذكاء الجمعي بمملكة النمل، أنَّ الكتابة هي التي تشترك في فكرة واحدة وأنَّ تعدَّد كُتَّابها، قد أدَّى الى تراكم أصوات الكتاب في صوت واحد. ويُطرح في هذا المجال حسب مراد تساؤل حول هوية الكاتب، لهذا علينا دراسة مفاهيم جديدة، تتناسب مع الإنتاج الأدبي والنشر الإلكتروني، هذه هي دعوة الإنسانيات الرقمية التفتيش عن مفاهيم جديدة تتناسب مع التغيرات التقنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى