«غسّان كنفاني» لبسام أبو شريف.. كاتب إشكالي

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

نازك بدير

في خضمّ الأزمات التي يتخبّط فيها العالم العربي، وفي زمن الفوضى، وضياع البوصلة عن القضيّة الأساسيّة – فلسطين ـ وفي الوقت الذي تفتقر فيه المجتمعات المدنيّة والطّبقات السّياسيّة إلى مفكّرين يبحثون في عمق الأزمات، ويجترحون حلولًا لها، يأتي كتاب بسّام أبو شريف «غسّان كنفاني القائد والمفكّر السّياسي» (منشورات رياض الريّس) ليعيد تسليط الضّوء على إحدى الشّخصيّات السّياسيّة والأدبيّة والفكريّة التي تركت بصمتها في الذّاكرة العربيّة، ووصلت أصداؤها إلى ما هو أبعد من حدود الوطن العربي.

قراءة في شخصيّة إنسانيّة تجاوزت الذّات، لتحمل هموم الشّعب الذي يتعرّض إلى أشكال الاضطهاد كافّة، في الداخل والخارج. كاتب إشكاليّ، فنّان مبدع، حاول إعادة رسْم القدر، واحتفى بالحريّة المغيَّبَة من دائرة المجتمعات العربيّة. فارتقى بذلك متخطيًّا البعد الفردي… رأى في فلسطين رمزًا إنسانيًّا متكاملًا فعندما يكتب عن عائلة فلسطينيّة فإنّما يكتب «عن تجربة إنسانيّة. لا توجد حادثة في العالم غير متمثّلة في المأساة الفلسطينيّة. وعندما أصوّر بؤس الفلسطينيين، فأنا في الحقيقة أستعرض الفلسطيني كرمز للبؤس في العالم أجمع». (ص. 64)

أن تتحدّث عن غسّان كنفاني يعني أن تتناول كاتبًا لم يجفّ حبره مع دمه «كتابته هو قد تكون هي النّادرة التي تصلح للقراءة بعد العودة من جنازة كاتبها» على حدّ قول محمود درويش.

تأتي أهميّة هذا العمل في كونه يضيء جوانب متنوّعة من حياة كنفاني بدءًا من طفولته في يافا وعكّا وحيفا، وهجرة العائلة إلى لبنان في نيسان 1948، ومن ثمّ التوجّه إلى دمشق حيث تابع دروسه الابتدائيّة، والثانوية، والتحق بالجامعة، وانخراطه في حركة القوميّين العرب، التي لعب الجيل الجديد دورًا بارزًا في تطويرها «إلى حركة ماركسيّة لينينيّة»، كما جاء على لسان كنفاني. (ص.67) وانتقل إلى الكويت حيث أصدر مجلة القوميّين العرب، ومن ثمّ قدومه إلى بيروت، الحلم والتّحدي، في العام 1960 للعمل في مجلّة الحريّة. ثمّ «أسس مجلة (الهدف) لتكون منارة للثوريين الفلسطينيين والعرب، ولربط النضال الوطني ببعده القومي وبعده التحرري العالمي». (ص. 144)

أمّا أعمال غسان كنفاني الأدبيّة فمستوحاة من رحم المعاناة، ولم تكن من نسج الخيال «لقد استوحيت كافّة أبطال رواياتي من الواقع الذي كان يصدمني بقوّة، وليس من الخيال. كانوا جميعهم من المخيّم، لا من خارجه».(ص. 69)

يسلّط أبو شريف الضّوء على غسّان الرائد في طرح المشكلات العربيّة؛ فهو أوّل من كتب عن تخلّف حياة الخليجيين. وببصيرته المتّقدة تبيّن انحراف نظام عبد الكريم قاسم في العراق، وهو أوّل من كتب عن شعراء المقاومة، ودلّ الرّأي العام العربي على أدب الأرض المحتّلة.

ركّز الباحث على ثقة الدكتور جورج حبش بكنفاني، وتكليفه إصدار بيانات مفصليّة وتاريخيّة، واعتماده عليه للتّعبير عن الموقف المركزي للجبهة الشّعبيّة إثر التّناقضات الدّاخليّة التي عصفت بها، حيث أسندت الجبهة الشّعبيّة إليه تحرير مجلة الهدف. لم يكن رئيس تحرير عاديًّا، إنّما قائد ضمّ مكتبه «الثوريين والباحثين عن الحقيقة والداعمين للحرية وحق تقرير المصير للشعوب من كلّ أنحاء العالم» (ص. 100) لقد استطاع أن يستقطب داعمين للقضية الفلسطينية من الدول الاسكندنافيّة، وتحدّى التّضليل الصهيوني، ودمويّته العنصريّة بالكلمة الحرّة، فكان القرار باغتياله.

يأتي هذا العمل شهادةً من بسام أبو شريف (تعرّض لمحاولة اغتيال من قبل الموساد الإسرائيلي في 25 تموز 1972) قرين غسّان وتوأمه، فقدّم صورة العاشق والفنّان والكاتب الذي حوّل الكلمة إلى سلاح ضدّ الظّلم والظّالمين. هو من أولئك الكبار الذين لا يجفّ حبرهم، وستبقى رائحة البرتقال تفوح منه، وتغري بالانتصار.

 

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى