فاطمة لوتاه تختبر شفافية اللون في \”لقاء مع النور\”

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-

شهد محمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي مساء الخميس الماضي في ندوة الثقافة والعلوم في دبي افتتاح معرض “لقاء مع النور” للتشكيلية الإماراتية المقيمة في إيطاليا فاطمة لوتاه، ويستمر المعرض حتى العاشر من يوليو/تموز الحالي . حضر حفل الافتتاح سلطان صقر السويدي رئيس مجلس إدارة الندوة وعبدالغفار حسين رئيس جمعية الإمارات لحقوق الإنسان وبلال البدور نائب رئيس مجلس الندوة وعدد من أعضاء المجلس وجمهور من الفنانين التشكيليين الإماراتيين والعرب .

يتكون المعرض من 12 لوحة كبيرة و3 سجادات صلاة و6 لوحات صغيرة، وقد استخدمت لوتاه في اللوحات رسماً كلاسيكياً يعبر عن حركات الصلاة المعروفة من ركوع وسجود وقراءة قرآن، غير أن الأهم في هذه اللوحات هو الاشتغال على اللون الذي يبرز شفافية الأبيض والأزرق، هذا اللون بدا شاسعاً وممتداً في اللوحة، يبحث عما وراء النظر ليستشف المتخفي والمضمر، وهي تقنية تنطوي على رشاقة لا يتقنها غير الفنان الخبير الذي هو متيقن من حدود مشروعه الفني وقدرته على التعبير، وتتجلى هذه التقنية في إشراقات بقية الألوان في الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق في السجادات، التي أضافت إليها لوتاه إنارة صناعية كهربية، كما تتجلى في تلك الاسطوانات العمودية الملونة التي تحتوي في داخلها على إنارة شفافة تبرز جمالية المشهد اللوني الذي تتخلله حروف عربية من تشكيلات الألف والنون والواو وخلافها، كما تتجلى في جزء من سورة النور التي تسطع على شفافية الأبيض في إحدى اللوحات (اللهُ نُورُ السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزجَاجَةُ كَأَنهَا كَوْكَبٌ دُري يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيةٍ وَلَا غَرْبِيةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) .

يأتي هذا المعرض الذي يعتبر تجربة جديدة من حيث الوضوح والشفافية والتأمل الوجداني، كنوع من البحث الذاتي عند لوتاه في أكثر من اتجاه، فمن حيث المضمون، هناك البعد الروحي الرمزي، الذي لا يمكن كشف سره وسحره من دون ذلك الصفاء، الذي يتبدى في جملة من الحركات والسكنات والسلوكات البشرية، هنا، في هذا المعرض بالذات، هي حركات إيمانية تتجلى في السجود والركوع والصلاة وقراءة القرآن، أما الاتجاه الثاني فهو تأملي صرف، يطرح الأسئلة ويبحث في المسألة الفلسفية والفكرية للمعنى الروحي، بوصفه يجسد حالة خارجة عن الوصف، وهو ما يندرج في إطار بحث التشكيلية لوتاه الدائم عن ذلك المجهول ودلالاته المتخفية، بوصفها منطقة تقع بين الذاتي والكلي والعشقي والأزلي وربما “النيرفاني”، ذلك لكون لوتاه تمارس حياتها على نحو صوفي، وربما طقسي منذ اشتغالها على تجارب مشابهة سابقة، كتوظيفها لنصوص جلال الدين الرومي في بعض أعمالها، وهي تجربة ليست منحصرة في التصوف العربي الإسلامي، بقدر ما تفتح المجال واسعا أمام روحانية كونية مفتوحة، كما تبحث في عمق العلاقة البشرية بوصفها علاقة تغادر منطق المحسوس إلى أخرى شاسعة غير محسوسة وذهنية إلى حد ما .

في الجانب الشكلي، وكما عودت لوتاه المشاهد، ومن خلال معارضها السابقة سواء في “حديث السماء” أو “شفافية الروح” تبحث دائما في المادة المستخدمة التي غالباً ما تكون مواد قابلة للكسر أو بعبارة أصح مواد هشة، كالقماشات الرقيقة والألياف المصنعة وكافة أشكال الإنارة الصناعية، والأحواض الزجاجية والقطع الخشبية الرقيقة كما هو حال تلك المادة التي تسمى “رزل” التي استخدمتها في معرضها “شفافية الروح” وهي مادة تشبه الكهرمان الصناعي ممزوجة بالقماش والألياف الزجاجية عالجتها لوتاه بالحرارة .

في هذا السياق تبدع لوتاه نسقاً جمالياً وبصرياً، وفكرياً أيضاً، مما هو متاح ومتوفر، في حركات الناس البسطاء وابتهالاتهم، وفي أماكن تواجدهم وفي بيئاتهم المختلفة، هكذا هو شأن لوتاه في تجاربها كلها، خارج حدود وطنها، في الملامح البادية على البشر والطير، وفي صخب البحر، ووداعة الرمل وخفة الريح، وكما هو حال معرضها الجديد “لقاء مع النور” الذي يشكل إضافة جديدة تقع بين التأملي والفلسفي والصوفي .

يرى التشكيلي العراقي د . إحسان الخطيب أن لوتاه تقترب من غوغان الانطباعي في رسوماتها، وهي من الفنانات المشاكسات، متمردة فنياً، بفكرها الحر، كما يرى د . الخطيب أن ملامح الفنان المتميز رافقت لوتاه منذ كانت في المرحلة الثانوية، وحين انتظمت في كلية الفنون الجميلة في بغداد، هناك دائماً فنانة متمردة في داخلها تبحث وإياها عما وراء الحالة، نحو عوالم غير معهودة في التجربة الصوفية من خلال الفن . 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى