‘فتاة المصنع’ يسطو على ‘ما بعد الحب’

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

هدية حسين 

 

قبل أشهر فوجئت أثناء تصفحي في النت على مقدمة فيلم “فتاة المصنع” وهو فيلم مصري من إخراج محمد خان وتمثيل ياسمين رئيس وسلوى خطاب، أعدت المقدمة أكثر من مرة، ووجدت أنها خلاصة لجزء مهم من روايتي “ما بعد الحب” تلك الرواية التي صدرت في العام 2003، وكتب عنها الناقد المصري الراحل فاروق عبدالقادر، والقاص والروائي المصري سيد الوكيل، والناقدة والروائية اللبنانية المقيمة في مصر لنا عبدالرحمن.

 

وكان من عادتي كلما ذهبت الى القاهرة أضع نسخة من كل عمل في مكتبة “الجوريون”، وأهدي عدداً من النسخ لأصدقائي هناك.

 

حينما شاهدت المقدمة رحت أبحث عن الفيلم، لكنه لم يكن وقتئذ قد وضع على اليوتيوب، ولا بد لي من مشاهدته لأقطع الشك باليقين، ولأتابع بقية التفاصيل ومسيرة الشخصيات وما هي الإضافات الجديدة التي قد تكون قد أدخلت الى القصة، أو التغييرات التي تتطلبها العملية السينمائية.

 

ولكي أصل الى غايتي هذه خاطبت بعض أصدقائي هناك ممن قرأوا الرواية طالبة منهم أن يعينوني على الشك الذي ساورني، لكن للأسف فإنهم لم يشاهدوا الفيلم ليقارنوا، كان الفيلم قد رفع من دور العرض.

 

مؤخراً أتيحت لي مشاهدة الفيلم في الطائرة التي كانت تقلني من تورونتو الى دبي، ثم بعد ذلك وجدته على اليوتيوب وشاهدته للمرة الثانية، ولذلك وجدت نفسي مضطرة لأكتب هذه المقالة.

 

للأمانة أقول إن روايتي لا يمكن تمصيرها، ذلك أنها تتناول انتفاضة العام 1991 بعد تحرير الكويت ومعاناة اللاجئين الذين هربوا الى عمّان في بحثهم عن وطن بديل من خلال المفوضية السامية للأمم المتحدة.. فما دخل ذلك بفيلم “فتاة المصنع”؟

 

في روايتي التي تبدأ من عمَّان مكاناً، تلتقي بطلتي (هدى) بصديقتها (نادية) بعد فراق سنوات، وكانت نادية تنتظر السفر الى كندا كلاجئة، لكنها تموت في حادث سير في عمان، وتتسلم هدى أمتعتها وحاجياتها.

 

وفي عملية فلاش باك تعود هدى بذاكرتها الى تلك الأيام التي تعرفت فيها على نادية عندما كانتا تعملان في “مصنع الأمل” للألبسة. هذا الفصل بكل تفاصيله الكبيرة والصغيرة هو الذي يطرح بقوة فكرة الشك بأن هذا الفصل قد استند عليه فيلم “فتاة المصنع” للمخرج محمد خان الذي أحترم تاريخه الفني، وقد (كتبته) وسام سليمان زوجة المخرج.

 

ربما يقول قائل إن المصانع والسفن والبحار كلها أماكن تصلح للسينما وكثير من ذلك شاهدناه على الشاشة، والأعمال الأدبية تُكتب وتنتج أكثر من مرة متخذة من هذه الأماكن منطلقاً لها. هذا صحيح، فليس كل من كتب عن كارثة لطائرة يمكن أن يكون قد أخذ الفكرة عن غيره، فهناك تفاصيل مغايرة للفكرة نفسها بين فيلم وآخر، أو عمل أدبي وآخر.. لكن أن تكون هذه التفاصيل هي نفسها بين روايتي والفيلم فهذا أمر يثير أكثر من علامة استفهام، حتى مع وجود بعض الإضافات التي لا بد منها حينما تحوّل قصة ما من العمل الأدبي الى الشاشة. ودعوني أوضح الأمر.

 

في روايتي، داخل المصنع، مجموعة شابات يعملن فيه بسبب ظروف المعيشة، وفيه مهندس شاب يصلح المكائن، يصبح هذا الشاب منذ إطلالته في المصنع محط أحلام الفتيات، ومن حين لآخر تدعي إحداهن أن ماكينتها تعطلت ليأتي هذا المهندس وتراه عن قرب. وهذا ما حدث في الفيلم، بل حتى المواصفات الجسمانية للمهندس هي نفسها.

 

في روايتي هناك مشرفة قاسية.. وفي الفيلم أيضاً.

 

في روايتي تعمل المشرفة على إبعاد المهندس الشاب بعد أن ترى الفتيات يتهافتن عليه، وتأتي بمهندس أكبر سناً، أصلع. وفي الفيلم هناك تغيير طفيف، فالمهندس الأصلع هو الذي كان موجوداً قبل أن يأتي المهندس الشاب، لكنه بالمواصفات ذاتها.

 

في روايتي تعلّق إحدى العاملات على اللباس الداخلي للرجل (لأن المصنع خاص بالألبسة الداخلية للرجال) وفي الفيلم يحدث الأمر نفسه في لقطتين مع تعليق يختلف باللفظ لكنه يلتقي في المعنى العام لما حدث في الرواية.

 

في روايتي تحمل إحدى العاملات سفاحاً وتجهضها امرأة في زمن سابق لاشتغالها بالمصنع، وفي الفيلم جعلت (المؤلفة) بطلة الفيلم هي التي تحمل من المهندس.

 

هذه التغيرات الطفيفة في الفيلم لا تبرىء كاتبته من احتمالية السطو على هذا الفصل من روايتي، إذ لا يمكن أن تأتي كل هذه التفاصيل متشابهة، وإذا كانت قد قالت في أحد حواراتها بأنها عملت لشهرين في مصنع لتكتب هذا العمل فأود أن أقول لها: بأنني ذكرت أكثر من مرة في حواراتي بأنني عملت فعلاً في ذلك المصنع مدة عام أيام مراهقتي بسبب الظروف الاقتصادية التي كانت تمر بها عائلتي، وأن اشتغالها شهرين يأتي طبيعياً لإضافة حكايات جديدة لا بد منها لعمل فيلم سينمائي، وأن مجرد فصل في رواية ما لا يكفي لعمل فيلم.

 

بقيت كلمة أخيرة لا بد من قولها، أنا أدعو كل منصف في مصر أو العالم العربي، سبق له أن شاهد الفيلم أن يقرأ رواية “ما بعد الحب”، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2003، والمترجمة الى الإنكليزية عام 2012 ليكون حكماً أستنير برأيه… ولكم الشكر.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى