«فكر13» يتواصل في المغرب.. دور النخب والثقافة العربية

الجسرة الثقافية الالكترونية
تواصلت فعاليات مؤتمر «فكر 13» الذي تنظمه مؤسسة الفكر العربي لليوم الثاني، بمناقشة مستويات التكامل العربي في ثلاث جلسات متوازية، بحثت التكامل العربي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، في ما خُصّصت الجلسة الرابعة لبحث أهمّية اللغة العربية كهوية جامعة.
التكامل الثقافي
بحثت جلسة التكامل الثقافي التي أدارها رئيس تحرير جريدة الرأي الزميل سمير الحياري، «تراجع دور النخب الثقافية» في ظلّ الواقع العربي الراهن.
تحّدث فيها مدير برنامج «إثراء المعرفة» في شركة أرامكو السعودية عمر بدر، ومدير البحث في مخبر أديان، مجتمعيات وعلمانيات في المركز الوطني للبحث العلمي في باريس زعيم خنشلاوي، الباحث العراقي د عبد الحسين شعبان، والباحث في الفلسفة محمد المصباحي، وأستاذ كلية الآداب والعلوم الإنسانية محمد حساوي، والشاعر محمد زايد الألمعي.
قدّم بدر ملخّصاً حول أهمّ الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي يتضمّنها برنامج «إثراء المعرفة»، الذي يضمّ أكثر من 22 دولة عربية وأجنبية شاركت في إنشائه، وهو صديق للبيئة، جمع الحضارات من كلّ أنحاء العالم، ومهمّته اكتشاف المواهب وتعزيزها، وأكد أن مركز الملك عبد العزيز الثقافي وهو من أضخم المبادرات الاجتماعية والتنموية التي أطلقتها شركة أرامكو السعودية، وأوّل مركز ثقافي عربي عالمي.
واعتبر خنشلاوي أن الشباب يحتاج إلى خطط علمية وعملية نقدّمها لهم، لأن مثلهم الأعلى هم النجوم الذين هم اليوم على الساحة الفنية، أما موضوع «الأمّة» فهو غير مألوف لديهم، لأن انتماءهم اختصر بالأمم «الفيسبوكية»، التي اختزلت اهتماماتهم.
ورأى شعبان أن مجتمعاتنا تنقسم إلى حكومات وأحزاب ومن ثمّ مجتمع مدني وأخيراً الأفراد، وبالتالي فالنخب تنقسم إلى نخب دينية، نخب علمانية، نخب محافظة، ونخب تنويرية ، أما الحرية والعدالة فهي الشغل الشاغل في أوطاننا وهي عبارة عن امتداد للمعرفة والأفكار والتصوّرات والرؤى لدى هذه النخب.
من جهة أخرى، أكّد المصباحي مدافعته عن المثقف العربي، لأننا في زمن الجامعات ومجتمع المعرفة وثورة التكنولوجيا المعرفية وزمن الإعلام أصبحنا نعيش في قرية عالمية. ولفت إلى أن المثقّف النخبوي هو مثقّف نادر رؤيوي استراتيجي، ويجب أن يكون حرّاً لا ينتمي الى العصبيات الفكرية الدينية والعنصرية.
وأشار حساوي إلى ضرورة عدم الخلط بين المفاهيم والمصطلحات، وخصوصاً بين شعاريّ الوحدة والتكامل، فالوحدة رفعت كشعار لعدّة عقود، وتبيّن أن هذا الحلم لا يمكن تحقيقه دون خطة علمية وإشراك كلّ الأمة العربية بها، أما التكامل فهو عبارة عن مرحلة.
وختم الألمعي الجلسة مؤكداً أن العنوانين «التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم» و»تراجع دور النخب الثقافية»، ليسا جديدين، وإنما طرحا منذ 30 عاماً، لكّنهما لم يحدثا أو يغيّرا شيئاً وكانت وماتزال العناوين والوجوه والمثقفون والهموم ذاتها. واعتبر أننا ضحية مرحلة كاملة، لأننا نسينا مكوّنات الثقافة.
التكامل الاقتصادي
إلى ذلك ناقش المؤتمر الذي عقد في المغرب في الجلسة الخاصة بموضوع التكامل الاقتصادي «الموارد الطبيعية في الوطن العربي جملة من الموضوعات الراهنة.
تحدث العاني، مدير إدارة العلاقات الاقتصادية في جامعة الدول العربية، جمهورية العراق، عن أثَر الإخفاق في تكامل الاقتصاد العربي على إرساء الأمن القومي العربي.. منبّها إلى أن الفجوة الغذائية انتقلت بين 2012 و2013 من سبعة وعشرين مليار دولار إلى خمسة وثلاثين مليار دولار.
من جهتها أكّدت نافع، عميدة كلية الآداب والعلوم الانسانية في جامعة المحمدية المغربية، أن الموارد العربية موروث طبيعي قابل للإنهاك، فالموارد المائية ستصبح نادرة في زمن التغيّرات المناخية، لذلك لا بدّ من برنامج عربي عاجل لمواجهة الأخطار.
وأكّد حمدان، المدير التنفيذي لمؤسّسة البحوث والاستشارات في الجمهورية اللبنانية، أن تفاقم التباينات بين الدول العربية نتج عنه اختلافات جوهرية في بنيان هذه الدول.
وفي السياق ذاته، أشار الفقي، أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة، إلى أن الصراعات في جوهرها تدور حول الموارد الطبيعية، كما أن التكامل الاقتصادي ليس هدفاً في حدّ ذاته بقدر ماهو وسيلة.
وختم نظيف، الأستاذ في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في الرباط، بالتأكيد على أن المستوى الذي وصلت إليه الشعوب العربية من اندحار لا يمكن إلا أن يحسّن الأوضاع.
التكامل السياسي
وانعقدت جلسة التكامل السياسي تحت عنوان: «تعزيز دور المنظّمات الإقليمية» في تنظيم الحياة السياسية والاقتصادية في الوطن العربي، وعنايتها بمصالح الشعوب العربية، وتجاوب العرب داخل هذه المنظّمات، كما طرحت قضية إصلاح الجامعة العربية أو إلغائها.
شارك في الجلسة الأكاديمي المتخصّص في العلاقات الدولية الحسن بو قنطار، ورئيس المنتدى الخليجي لمؤسّسات المجتمع المدني أنور رشيد، ومستشار سياسات العلم والتكنولوجيا في المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان حسن الشريف، والأستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في المغرب ا محمد أنفلوس، والخبيرة في المجتمع المدني اللبناني مي عون، وأدار الجلسة رئيس قسم المشاركة والعدالة الاجتماعية في الإسكوا أسامة صفا.
رأى بو قنطار أن جامعة الدول العربية لم تحقّق الهدف الذي قامت من أجله، وحذّر من أن الجامعة العربية بصيغتها الحالية لا تستطيع مجاراة الأحداث التي تحصل في الوطن العربي، ولا بدّ من تجديد آليات عملها أيضاً لتستجيب للتحدّيات الجديدة.
وتحدث الشريف عن الاتحادات والنقابات والشركات التي تعمل تحت مظلّة الجامعة العربية، والتي لا نسمع بها كثيراً على الرغم من أنها حقّقت نجاحاً عربياً بينياً، ولعبت دوراً كبيراً في التكامل ما بين العرب، وأنتجت تفاعلاً حقيقياً بين المجتمعات العربية أبعد من الأطر السياسية.كما رأى أنفلوس، أن أهمّ القيم التي تستند إليها المنظّمات الإقليمية هي الديمقراطية، إضافة إلى تحدّيات الأمن والأمن الغذائي والتكامل الاقتصادي والنمو الاجتماعي، على أن تشكّل هذه التحدّيات فرصة للنظر بأولويات التنمية.وكشف أن مؤشرّات التنمية البشرية في الوطن العربي متدنّية جداً، مقابل تفاقم الهشاشة والفقر. كما تحدث أنفلوس عن الانتقال الديمغرافي الضخم في الوطن العربي على مستوى هجرة الأدمغة الشابة والهجرة الريفية.
وأضاء الرشيد على قضية التضييق على منظّمات المجتمع المدني في دول الخليج، لجهة إعطاء التراخيص أو تسهيل التمويل أو إيجاد المقرّ.
وقدّمت عون عرضاً حول أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، وكيفية توزّعهم عشوائياً على المناطق اللبنانية، الأمر الذي أدّى إلى حدوث أزمات إضافية فوق أزمة اللجوء.
اللغة العربية وعناصر الهوية
الجلسة الرابعة والأخيرة عقدت تحت عنوان «اللغة العربية: أحد أبرز عناصر الهوية العربية الجامعة»، وتناولت التدابير الاحترازية المسبّقة لإفشال شتّى المؤمرات على لغتنا القومية، والتي تتّخذ أساليب عدّة ناعمة ومستترة حيناً، ومباشرة وفجّة في أحيان أخرى.
تحدث في الجلسة الأستاذ في قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة الملك سعود أحمد الضبيب، ومدير تحرير جريدة «الجريدة» الكويتية بشارة شربل، و الأكاديمي رياض القاسم، ومدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط عبد الفتاح الحجمري، والأستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في المحمدية- المغرب مصطفى الشليح، والعميدة المشاركة في كلية البحرين المعلمين في جامعة البحرين هنادا طه، وأدار الجلسة الباحث في جمعية اللسانيات في جامعة محمد الخامس عبد القادر الفاسي الفهري.
أكد الفهري أن اللغة العربية هي هوية وذاتية، وذات طبيعة عاطفية، فالمواطنون والحكّام يشعرون بعلاقة عاطفية لأنها لغة القرآن. ولفت إلى أن اللغة العربية في وضع يتماهى بين المتفائلين والمتشائمين، والأهمّ أننا ملزمون بالعمل، لكن قبل العمل هناك الفكر والرؤية.وقال الضبيب إن اللغة العربية هي أبرز العناصر، وليست أحد أهمّها، وأنها مُنجزة وموجودة ومستمرّة ومتجدّدة، ومشكلتنا في محاولتنا الاستغناء عنها، وليس في وجودها، علماً أنها تشكّل أحد أبرز مكوّنات الوحدة والتكامل العربيين.
وتناولت طه مشكلة التعليم في العالم العربي، ومسألة تحديث اللغة العربية لأنها أساس التواصل، وليست لغة النحو والصرف فقط. وأكدّت أنه علينا أن نقدّم للطلاب لغتنا كلغة علم أيضاً.
من جهته، إقترح قاسم أن نبدأ بالفاعلية ومن ثمّ بالآليات. فالأولى فيها سمات علم الاجتماع اللغوي،. والثانية هي حاجتنا الى قرار ملزم، حتى نستطيع أن نترجم ما نقوله إلى عمل.
وعد الحجمري الواقع اللغوي العربي هو واقع مركّب ومعقّد وموسوم بالكثير من الارتباك على صعيد المنظومة التربوية والتعليمية، وعلى صعيد التنسيق العربي بين المنظمّات العربية، وتعثّر إيجاد سياسة لغوية موحّدة لمختلف التنوّعات السياسية والاجتماعية.
ورأى شربل أنه على الرغم من وجود عناصر قويّة في اللغة العربية، لكننا نعاني من أزمة لغوية متمثّلة في حاجتنا لتعلّم غيرها، لأنها ليست كافية لنا للتعلّم والتواصل. ورأى أن أزمتنا لا تعود إلى الفشل الذاتي في اللغة، بل إلى إشكالية التعامل معها والنظر اليها.
«مشروع الشرق الأوسط الجديد»
الجلسة المسائية جاءت بعنوان «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، عرّف المحاضرون فيها بمشروع الشرق الأوسط الجديد كما يتمّ تداوله غربياً، وكما يتمّ تداوله أيضاً على مستوى المنطقة. وقد دارت المداخلات حول إمكانية تحقّق نبوءة برنارد لويس بقيام الدويلات الدينية والطائفية والإثنية.
أدار الجلسة الإعلامي سمير عمر، مدير مكتب قناة سكاي نيوز في القاهرة، وشارك فيها الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ورئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة، ومحمد بن عيسى الأمين العام لمؤسّسة منتدى الأصيلة، والشيخ محمد صباح السالم الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي السابق.
رأى السنيورة أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يهدف إلى جعل إسرائيل مقبولة في المنطقة، ثم علّق على تجارب الوحدة العربية التي باءت بالفشل لأنها كانت تقوم على أفكار رومانسية من دون إيجاد قاعدة صلبة تقوم على أساسها.
وطالب الدول العربية بتعظيم المصالح الاقتصادية المشتركة التي قد تؤدّي في النهاية إلى نوع من أنواع الوحدة. ووصف «الربيع العربي»، أنه بمثابة روح جديدة تسري في جسد الأمة، لولا التدخّلات الخارجية التي تعمل على إحباطه.
الفيصل رأى أن إحدى أبرز مشكلات العرب تتمثّل في عدم مبادرتهم لطرح وجهة نظرهم حول المشكلات التي يواجهونها.وفي الاستثناءات القليلة التي طالبوا فيها بتأمين حقوقهم وإنصافهم، وتحديداً في ما يخصّ القضية الفلسطينية، لم تلقَ طلباتهم المتكرّرة والموجَّهة إلى دول العالم أيّ آذان صاغية.
وعد السالم أن عجز الأمم المتحدة عن حلّ مشكلة سوريا يبدو وكأنه مقصود كي تبقى المنطقة مشتعلة. ثم تحدّث عن تقصير العرب أيضاً في حلّ هذه المشكلة،غير أنّه طمأن المستمعين إلى أن المشكلات التي يواجهها العالم العربي ليست محصورة فيه، بل تشهدها دول كثيرة في العالم، معتبراً أن العالم كلّه يتّجه نحو التعصّب القومي والعرقي. وختم بالقول إن المسألة تتعلّق بأن نكون أو لا نكون كعرب.
وتحدث عيسى عن مشروع الشرق الأوسط الجديد واصفاً إياه بأنه مؤامرة من جهة، وبأنه من جهة أخرى مجرّد تحقيق للمصلحة الأميركية التي تتبنّى وجهة نظر تقول بوجوب قيام نظام عالمي جديد بقيادتها.
«العقل العربي ونظرية المؤامرة»
إلى ذلك عُقدت جلسة بعنوان «العقل العربي ونظرية المؤامرة»، وأسباب انتشار فكرة المؤامرة في الفكر السياسي العربي. شارك فيها أستاذ كلية الآداب والعلوم الإنسانية في المحمدية – المغرب سعيد المغربي، والكاتب الدكتور عبد الحميد الأنصاري، الرئيس والمدير العام لدراغومان بارتنرزل علي الخضيري، وأستاذ كلية الآداب والعلوم الإنسانية في المحمدية- المغرب مراد زوين، وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية مسعود الضاهر، وأدارتها الإعلامية في قناة سكاي نيوزعربية إيمان لحرش.
أكد المغربي أن هناك الكثير من التجارب في العالم العربي هي ضحية الجهل والتخلّف السياسي والاجتماعي والقهر، نتيجة لغياب الديمقراطية التي هي من أهمّ روافد الاستقرار والتنمية الشاملة.
وقال الأنصاري أن المؤامرة الحقيقية هي مؤامرتنا على أنفسنا، شارحاً ظاهرة العقل العربي وارتباطه بفكرة المؤامرة. من جهته، تمنى الخضيري على العرب أن ينسوا فكرة المؤامرة ويركزوا على مصالحهم المشتركة.
وعد زوين أن نظرية المؤامرة مصطلح جديد لم يكن في تراثنا، بل كان هناك الحيلة والخدعة. وقدّم تعريفاً بسيطاً لنظرية المؤامرة، معتبراً أنها تبرير للإخفاقات الداخلية.
وربط الضاهر نظرية المؤامرة التي تسيطر على العقل العربي، بالموقع الجغرافي للعالم العربي، وتاريخه. وأوضح أن الرقعة الجغرافية للعالم العربي، هي أرض الحضارات والديانات، وهي الأكثر حيوية في تاريخ العالم، وزاد تأثيرها بعد اكتشاف النفط والغاز، ولهذا بدأت التدخلات الأجنبية فيها.
«تحت الأضواء»
على هامش فعاليّات مؤتمر «فكر 13» الذي تعقده مؤسّسة الفكر العربي في قصر المؤتمرات في الصخيرات بالمغربية، جرى نقاش عام مع نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي ضاحي خلفان بعنوان «تحت الأضواء»، في مركز المؤتمرات–قاعة نيويورك.
توقّف عند أبرز القضايا التي من شأنها تحقيق الأمن، مؤكداً، إذا أردنا أن نبلور أمناً عربياً منيعاً، يتوجّب علينا أن نحدّد العوامل التي أدّت إلى انهيار الأمن العربي أساساً. وعدّد خلفان تميم الأسباب التي أدّت إلى انهيار الأمن في الوطن العربي، ومنها التدّخل الأجنبي، تفشّي الفقر ، فقدان التخطيط الاستراتيجي لمؤسّساتنا، وتُرك التعليم بين أيادي أساتذة يدرّسون التطرّف والحقد والكراهية ويجرّدون المسلم من إسلامه بفتاوى ظلاميّة.
……….
الراي