فلسطين في كتب الجغرافيين والرحالة العرب والمسلمين/الدكتورة نائلة الوعري

فلسطين في كتب الجغرافيين والرحالة العرب والمسلمين
الجسرة الالكترونية /وكالات
على مدار السنوات الطوال والقرون كانت ولا زالت تحظى فلسطين بكتابات الكثير من المؤرخين والباحثين ،ويرجع هذا الأمر لأهمية فلسطين جغرافياً ودينياً وما مر بها من أحداث جسام ومما لا شك فيه أن أبناء فلسطين وخاصة ممن ضاقوا ويلات التشرد والمنافي كان لهم في حقبة العصر هذا الدور الكبير في الكتابة ليرفدوا المكتبة العربية والعالمية بتاريخ فلسطين وليكون هناك حالة من التوثيق والتدقيق بين يدي القارئ ، وتطالعنا اليوم كاتبة وباحثة مقدسية الأصول والأعراق والنسب والمنبت بكتابها والذي اخذ منها الجهد الكبير ليكون مرجعا حقيقيا عن فلسطين وحالة توثيقية مميزة .
كتاب موسوعي بعنوان “فلسطين في كتب الجغرافيين والرحالة العرب والمسلمين”، للدكتورة نائلة الوعري صدر قبل أيام بطبعة أنيقة لائقة بفلسطين عن دار ورد للنشر في عمان.
اشتمل الكتاب الذي يقع في مجلدين كبيرين، على نصوص الجغرافيين والرحالة العرب منذ أقدم النصوص الجغرافية في القرن الثالث الهجري وحتى آخر عهد الرحلات التقليدية قبل دخول السيارات وتطور وسائل التنقل والارتحال، أي حتى مطلع القرن الرابع عشر الهجري، فمن أبرز الجغرافيّين العَرَب والمسلمين الذين اتّصلت مادّتهم بغرض هذا الكتاب، وأوردت الباحثة الوعري نصوصهم: الجغرافي عبيد اللّـه بن عبد اللّـه المشهور بابن خُرْدَاذْبُه (ت نحو 280هـ/ 893م) وكان أحد موظّفي البريد والشِّرطة بنواحي الجبال بإيران، ولعلّ وظيفته هذه هي التي حدت به إلى وضع كتابه الموسوم بـ “المسالك والممالك”، وأحمد بن إسحاق بن واضح اليعقوبيّ (ت بعد 292هـ/ 904م) وكان أيضاً أحد موظّفي الدّولة وله عناية بالتاريخ، فساح وتنقّل بين ديار الإسلام، شرقاً حتى الهند ووصل غرباً حتى المحيط الأطلسي، ووضع كتابه الجغرافي “البلدان”، وأحمد بن عمر، أبو علي ابن رُسْتَه (ت نحو 300هـ/ 912م) مؤلف كتاب: “الأعراق النفيسة”، ضاعت أغلب أجزاء كتابه وبقي منها القليل.
كما استفادت الباحثة من مؤلفات جغرافيي القرن الرابع الهجري وما تلاه من أمثال ابن الفقيه الهمذاني ( ت نحو 340هـ/ 951م) والإصْطَخْريّ (ت 346هـ/ 957م) في كتابه “مسالك الممالك” وابن حَوْقَل النصيبيّ البغداديّ (ت 367هـ/ 977م) صاحب كتاب “صورة الأرض”، والمَقْدسيّ البشاريّ (نحو 380هـ/ 990م) الذي يعدّ أكبر جغرافي عربي في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم”، والجغرافي الأندلسي أبو عبيد البكريّ (ت 487هـ/ 1094م)، والذين صنف كتابين في الجغرافية أحدهما بعنوان “المسالك والممالك”، والثاني “معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع”، ثم الشّريف الإدريسي (ت 560هـ/ 1164م) الذي أقام في كنف ورعاية الملك رُجّار الثاني صاحب صقلية، ووضع له كتابه “نزهة المُشْتاق في اختراق الآفاق”؛ مُسْتفيداً من معرفته الجغرافيّة الواسعة التي اكتسبها من رحلاته المتعددة في أجزاء من أوروبا وبلدان العالم الإسلاميّ. وكذلك أبو الحسن السّائح الهرويّ (ت 611هـ/ 1215م) في كتابه “الإشارات إلى معرفة الزيارات”، وياقوت بن عبد اللّـه الحمويّ، أبو عبد اللّـه (ت 626هـ/ 1228م) في كتابيه “مُعْجَم البُلْدان”، وكتاب “المُشْترك وضعاً والمفترق صقعاً”، وغير هؤلاء الكثير.
أما كتب الرحلات ومدونات العرب والمسلمين، فمن أقدم النصوص: رحلة ناصر خسرو (كان حيّاً 455هـ/ 1063م) المسماة “سفر نامة”، ارتحل ودخل الأراضي الفلسطينيّة: عكّا وحيفا والقدس وقيساريّة وكفر سابا والرّملة. وغادر من القدس سنة 438هـ/ 1048م متوجِّهاً لأداء فريضة الحجّ ثم عاد إلى دِمَشْق ومنها ثانية إلى القدس. ثم الرحالة المغربي العبدريّ الحيحيّ (ت نحو 700هـ/ 1300م) وسمى رحلته “الرحلة المغربيّة” أو “الرحلة العبدريّة”، خرج من بلاده في المغرب الأقصى إلى المشرق لأداء فريضة الحج وبعدها توجّه إلى فلسطين بطريق البرّ، من العقبة إلى مدينة الخليل، مارّاً بالعديد من المدن والقرى الفلسطينية. وكذلك الرحالة الأندلسي خالد البلويّ (ت بعد 767هـ/ 1365م) في رحلته الموسومة بـ “تاج المَفْرِق في تحليه علماء المشرق”، الذي ارتحل من بلدة قتورية من أعمال ألمرية بالأندلس سنة 735هـ/ 1336م، وسار بطريق البرّ وصولاً إلى القاهرة، ومنها توجّه بالبرّ إلى فلسطين: غزّة فالخليل فالقدس، وأقام في القدس نحواً من شهرين، وخرج منها في يوم الأربعاء 12 شوال 737هـ/ 1337م متوجّهاً إلى الديار الحجازيّة، ثم عاد بعد أداء الفريضة إلى القدس ثانية. أما الرحالة المغربي الذائع الصيت ابن بطوطة الطنجي (ت 779هـ/ 1377م) الذي أمضى ثمان وعشرين سنة من التطواف والترحال في أصقاع العالم؛ فقد زار القدس مرتين الأولى سنة 726ه/1325م والثانية في عام 749ه /1348م، وقيد مشاهداته في رحلته المعروفه باسم “تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، ثم رحلات القرن التاسع والعاشر الهجريين وصولاً إلى رحلات الفقيه والمتصوف الشيخ الرحالة عبد الغني النابلسي وهو عالم دمشقي كبير زار فلسطين مرتين وسمى رحلته الأولى “الحضرة الإنسية إلى الرحلة المقدسية” 1101ه/1690م والثانية سماها “الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز” سنة 1105ه/1694م.
عملت الباحثة على مدى سنوات طويلة، وبمساعدة من عدد من الباحثين والمختصين بالجغرافية التاريخية، على إعداد هذا المعجم الجغرافي الموسّع، فعكفت على رصد نصوص الجغرافيين والرحالة الذين مروا بمدن وقرى فلسطين ووقفوا في مدنها ووصفوا أحوالها عبر العصور، ورتبت هذه النصوص على هيئة معجم مرتب على الحروف، كما عملت على ترتيب النصوص الداخلية على الأزمنة ليتسنى للباحث ملاحقة التطور أو التراجع في الحالة العمرانية والسكنية، وجاءت مادة الجغرافيين والرحالة متفاوتة في الحجم والقيمة، فمنهم من اعتنى بوصف المدن والقرى وتتبع نواحيها، خاصة مدينتي القدس والخليل، ومنهم من كتب عن أحوالها وأوضاعها العامة وأحوال سكانها ومدى الحالة الثقافية والعلمية، وآخرون اكتفوا بتحديد الطرق والمسالك والمسافات فيما بينها.
لقد كان من أهم الأسباب التي دفعت الباحثة المقدسية لتأليف هذا المعجم وبذل هذا الجهد الكبير هي:
1- تواصلاً مع مشروعها الفلسطيني الكبير والمعرفي والأكاديمي الذي يحاول تقديم موسوعة فلسطينية شاملة لكل ما يخص فلسطين ماضياً وحاضراً، تشتمل على كافة الجوانب التاريخية والجغرافية والتراثية والأثرية.
2- تحديد جغرافية فلسطين على حقيقتها تفنيداً للادعاءات الصهيونية، وإثبات مسمياتها القديمة التي يسعى اليهود إلى طمسها واستبدالها بمسميات هجينة بعيدة عنها، وبيان مكانة فلسطين عند جميع العرب والمسلمين على امتداد التاريخ.
4-وجدت الباحثة أن المدن الفلسطينية لم تأخذ حقها من البحث والدراسة لا سيما في كتب الجغرافيين وأدب الرحلات بخلاف الحال في عدد من البلاد العربية الأخرى. فاتجهت عنايتها للاهتمام بأدب الرحلات الذي يعد تراثاً كبيرا شاملا ويحتوي على تفصيلات جغرافية وتاريخية وتفصيل للعادات والقيم والتقاليد الاجتماعية والأوضاع السياسية وغيرها.
ومؤلفة الكتاب الدكتورة نائلة الوعري هي باحثة فلسطينية/ مقدسية جندت نفسها لقضية شعبها (فلسطين المحتلة) فعملت في شتى المجالات من أجل نصرة أهلها وشعبها وتحرير وطنها، ولعل البحث العلمي ـ الذي يندرج تحته هذا العمل ـ واحد من أهم مجالات نضال د. الوعري في سبيل تحقيق أهدافها في خدمة وطنها .